للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فإذا عزم العبد على السفر إلى الله تعالى وإرادته, عَرَضَت له الخوادع والقواطع , فينخدع أولاً بالشهوات والرياسات والملاذ والمناكح والملابس, فإن وقف معها انقطع وإن رفضها ولم يقف معها وصدق في طلبه ابُتلي بوطء عقبه (١) وتقبيل يده والتوسعة له في المجلس والإشارة إليه بالدعاء ورجاء بركته, ونحو ذلك.

فإن وقف معه انقطع به عن الله وكان حظه منه, وإن قطعه ولم يقف معه ابتلي بالكرامات والكشوفات, فإن وقف معها انقطع بها عن الله وكانت حظَّه, وإن لم يقف معها ابتلي بالكرامات والكشوفات, فإن وقف معها انقطع بالتجريد والتخلي ولذة الجمعية وعزة الوحدة والفراغ من الدنيا, فإن وقف مع ذلك انقطع به عن المقصود, وإن لم يقف معه وسار ناظراً إلى مراد الله منه وما يحبه منه بحيث يكون عبده الموقوف على محابَّه ومراضيه أين كانت وكيف كانت؟ تعب بها أو استراح, تنعَّم أو تألم, أخرجته إلى الناس أو عزلته عنهم, لا يختار لنفسه غير ما يختاره له وليّه وسيّده, واقف مع أمره ينفذه بحسب الإمكان , ونفسه عنده أهون عليه أن يقدم راحتها ولذتها على مرضاة سيده وأمره, فهذا هو العبد الذي قد وصل ونفذ ولم يقطعه عن سيده شيء ألبته (٢)

ولقد منَّ الله على الكثير بالمحافظة على الأوقات والاستفادة


(١) أي بالسير خلفه.
(٢) الفوائد لابن القيم ٢٢٣.

<<  <   >  >>