للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تسافر بالراكب الأيام وتسير به الليالي .. في وضح النهار وفي غسق الدُجى .. آناء الليل وأطراف النهار .. رحلة متواصلة .. وسيرٌ حثيث .. حتى تحط به الركاب.

فالناس منذ خلقوا لم يزالوا مسافرين, وليس لهم حَطٌّ عن رحالهم إلا في جنة أو نار, والعاقل يعلم أن السفر مبني على المشقة وركوب الأخطار, ومن المحال عادة أن يُطلَب فيه نعيم ولذة وراحة. إنما ذلك بعد انتهاء السفر, ومن المعلوم أن كل وطأة قدم أو كلّ آن من آنات السفر غير واقفة, ولا المكَّلف واقف , وقد ثبت أنه مسافر على الحال التي يجب أن يكون المسافر عليها من تهيئة الزاد الموصل, وإذا نزل أو نام أو استراح فعلى قدم الاستعداد للسير (١)

إن الليالي للأنام مناهل ... تطوى وتنشر دونها الأعمار

فقصارهن مع الهموم طويلة ... وطوالهن مع السرور قصار

(٢)

أن الساعات ثلاث: ساعة مضت لا تعب فيها على العبد كيفما انقضت في مشقة أو رفاهية, وساعة مستقبلة لم تأت بعد لا يدري العبد أيعيش إليها أم لا؟ ولا يدري ما يقضي الله فيها,


(١) الفوائد لابن القيم ٢٤٥.
(٢) مكاشفة القلوب ٢٢١.

<<  <   >  >>