التصوُّف حركة (*) دينية انتشرت في العالم الإسلامي في القرن الثالث الهجري كنزعاتٍ فردية تدعو إلى الزهد وشدة العبادة كرد فعل مضاد للانغماس في الترف الحضاري. ثم تطورت تلك النزعات بعد ذلك حتى صارت طرق مميزة معروفة باسم الصوفية، ويتوخّى المتصوفة تربية النفس والسمو بها بغية الوصول إلى معرفة الله تعالى بالكشف (*) والمشاهدة لا عن طريق إتباع الوسائل الشرعية، ولذا جنحوا في المسار حتى تداخلت طريقتهم مع الفلسفات (*) الوثنية (*) : الهندية والفارسية واليونانية المختلفة. ويلاحظ أن هناك فروقاً جوهرية بين مفهومي الزهد والتصوف أهمها: أن الزهد مأمور به، والتصوف جنوح عن طريق الحق الذي اختطَّه أهل السنة والجماعة.
[مقدمة هامة]
[التأسيس وأبرز الشخصيات]
· خلال القرنين الأولين ابتداءً من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين حتى وفاة الحسن البصري، لم تعرف الصوفية سواء كان باسمها أو برسمها وسلوكها، بل كانت التسمية الجامعة: المسلمين، المؤمنين، أو التسميات الخاصة مثل: الصحابي، البدري، أصحاب البيعة (*) ، التابعي.
لم يعرف ذلك العهد هذا الغلو (*) العملي التعبُّدي أو العلمي الاعتقادي إلا بعض النزعات الفردية نحو التشديد على النفس الذي نهاهم عنه النبي (*) صلى الله عليه وسلم في أكثر من مناسبة، ومنها قوله للرهط الذين سألوا عن عبادته صلى الله عليه وسلم:"لكني أصوم وأفطر، وأقوم وأنام، وأتزوج النساء، وآكل اللحم، فمن رغب عن سنتي فليس مني".
وقوله صلى الله عليه وسلم للحولاء بنت نويت التي طوَّقت نفسها بحبل حتى لا تنام عن قيام الليل كما في حديث عائشة رضي الله عنها:(عليكم من العمل ما تطيقون، فإن الله لا يملّ حتى تملوا، وأحبُّ العمل إلى الله أدْوَمُه وإن قل) .
ـ وهكذا كان عهد الصحابة والتابعين وتابعيهم على هذا المنهج يسيرون، يجمعون بين العلم والعمل، والعبادة والسعي على النفس والعيال، وبين العبادة والجهاد (*) ، والتصدي للبدع والأهواء مثلما تصدى ابن مسعود رضي الله عنه لبدعة (*) الذكر الجماعي بمسجد