التي كانت في طريقها إلى الانفصال عن الفلسفة (*) في القرنيين السادس عشر والسابع عشر الميلاديين. وربما عدّ بيكون بادئ الوضعية وواضع الاسم الذي سميت به في القرن التاسع عشر، ففي كتابه في المبادئ والأصول ١٦٢٣م أطلق بيكون صفة وضعي على الحقائق الأولية التي يجب تقلبها إيماناً بصدق الخبرة.
وقد كان بيكون موضع تقدير كبير من الفلاسفة التجريبيين في القرن التاسع عشر في كل من إنكلترا وفرنسا. وأصبحت كلمة وضعي تطلق على مناهج العلوم الطبيعية، نظراً لاعتماد هذه المناهج على الملاحظة واستخدمها للتجربة، ولقد سبق بيان كيف أن سان سيمون الذي عمل كونت في خدمته، قد أطلق كلمة وضعي في كتابه مقال في علوم الإنسان على العلوم القائمة على الوقائع الخاضعة للملاحظة والتجريب.. وقد اقتبس كونت هذه الأفكار وأقام عليها نظريته وقانونه الوضعي.
الانتشار ومواقع النفوذ:
* زحف المذهب الوضعي من فرنسا إلي إنكلترا، واعتنق بعض الفلاسفة مبادئ المذهب الوضعي. إلا أن بعض كبار المفكرين والفلاسفة رفضوا متابعة كونت في مفهوم دين (*) الإنسانية الذي وضعه، وبالرغم من ذلك فقد أُنشئت جمعيات وضعية في أجزاء مختلفة من العالم على غرار النموذج الذي أسسه كونت نفسه عام ١٨٤٨م. وفي هذه الجمعيات كانت الإنسانية هي موضوع الشعائر الدينية، واتخذ من علم الاجتماع سنداً لمثل هذه الديانة الاجتماعية، وقويت هذه الحركة بصورة خاصة في أمريكا اللاتينية، ولكنها ازدهرت لعدة سنوات في إنكلترا...
* وقد صدرت المجلة الوضعية التي أطلق عليها فيما بعد اسم الإنسانية من عام ١٨٩٣م إلي عام ١٩٢٥م. وقامت محاولات لإحياء الوضيعة في إنكلترا بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة، من خلال أعمال الفلاسفة الإنجليز إير وراسل.
يتضح مما سبق:
* أن المذهب (*) الوضعي مذهب فلسفي ملحد، يركز المعرفة اليقينية في الظواهر التجريبية، وينكر وجود معرفة مطلقة، ويقول إن التقدم بدأ في العلوم الطبيعية وبدأ ينتقل للعلوم الاجتماعية وأن العقل البشري يتقدم من المرحلة اللاهوتية الدينية إلي المرحلة الميتافيزيقية (*) لكي يصل في النهاية إلي المرحلة الوضعية التي هي قمة التخلي عن كل العقائد الدينية. وبذا تتضح مخاطر هذا المذهب على كل مسلم.