بعد هذا فإن الباحث يتوقع أن ينتج عن هذا الخلاف في طبيعة دلالة العام اختلاف في أمور كثيرة بين الفقهاء، لكثرة النصوص العامة، ويمكن أن نلخص هذا الاختلاف في قاعدتين هامتين نوضحهما فيما يلي:
القاعدة الأولي: تخصيص النص العام بخبر الواحد أو القياس إذا لم يكن قد خص قبل ذلك بدليل قطعي:
فعند القائلين بظنية العام يجوز هذا التخصيص، وعند القائلين بقطعية العام لا يجوز، ولهذا حَرَّمَ الحنفية الأكل من ذبيحة المسلم إذا ترك التسمية عَمْدًا، لأخذهم بالعموم في قوله تعالى:{وَلاَ تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ}[الأنعام: ١٢١]، ولم يخصوه بقول الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْمُسْلِمَ يَذْبَحُ عَلَى اسْمِ اللَّهِ، سَمَّى أَوْ لَمْ يُسَمِّ»، ولا بقياس ترك التسمية عَمْدًا على تركها نِسْيَانًا بجامع وجود ذكر الله في القلب في كل منهما، وذلك لأن الحديث خبر واحد وهو لا يخصص العام من الكتاب الذي لم يخص قبل ذلك بدليل قطعي الثبوت، وهو قطعي الدلالة عندهم، وخبر الواحد ظني الثبوت، وكذلك القياس فإنه ظني، والظني لا يخصص القطعي.
وخصص الشافعية هذا العموم بالحديث وبالقياس، لأن العام الظني الدلالة عندهم فيجوز تخصيصه بالظني، كالقياس وخبر الواحد، ولهذا قالوا: يحل الأكل من ذبيحة المسلم إذا ترك التسمية عَمْدًا.
القاعدة الثانية: التوفيق بين العام والخاص إذا ختلفا.
قال الحنفية: إذا اختلف العام والخاص فإن التعارض يثبت في