تردد في بعض الأبحاث نسبة ترك الحديث إلى الفقهاء، وربما عبر بعض الكاتبين بما لا يفهم حقيقة موقف الأئمة - رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ -، بل إن بعضهم ربما صدر عنه مثل هذا لأنه لم يحتمل أن يري عند أحد من الأئمة فهمًا أو استنباطًا غير فهمه هو، وقد جازف بعضهم فزعم أن «الأحاديث التي خالفوا أوامره - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيها التي لو تتبعها المتتبع لربما بلغت الألوف كما قال ابن حزم». هكذا بصيغة الألوف جمع الكثرة لا (الآلاف) جمع القلة.
وهذا قول غريب جِدًّا، فهل ترك أئمة الإسلام كل أحاديث الاحكام؟ ثم ها هي ذي مصادر تخريج أحاديث الاحكام التي هي موضوع نظر الفقهاء ليخبرونا كم بلغت فيها هذه الأحاديث؟!.
إن القضية في واقع الأمر أن الإمام المجتهد قد يجد أمامه من الأدلة ما يجعله يقدم ـ على الدليل الذي بين يديه دليلاً أقوى منه، أو يفهم منه معنى غير الذي أخذ به غيره أو استنبطه من النص.
وأسرد لذلك ثلاثة أمثله أشرح للقراء مواقف المجتهدين، فيتذكروا بذلك ما يجب تجاه أئمة هذا الدين، ولا يغتر أحد بما يردد من القيل حول هذه القضية من هجر الفقيه للحديث الصحيح، أو ادعاء أنه لم يطلع على الحديث، وهي أمثلة لفقهاء كبار من الصحابة والتابعين وأتباع التابعين:
المثال الأول: حديث فاطمة بنت قيس أن زوجها طلقها ثلاثًا، فلم يجعل رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لها سكنى ولا نفقة، قال عمر رضي الله عنه: «لاَ نَتْرُكُ كِتَابَ اللهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقَوْلِ امْرَأَةٍ، لاَ نَدْرِي لَعَلَّهَا حَفِظَتْ، أَوْ نَسِيَتْ، لَهَا السُّكْنَى وَالنَّفَقَةُ لَهَا السُّكْنَى وَالنَّفَقَةِ، قَالَ اللهُ - عَزَّ وَجَلَّ -: {لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلاَ