للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} السمع والبصر صفتان هما أشد الصفات توغلاً في التشبيهِ بالمخلوقات، فالله مدح بهما نفسه بعد {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} يعني: أثبِت لي صفاتي، وما مدحت به نفسي، ولكن راع في ذلك الإثبات قولي قبله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} واعلم أنه إثبات مُنَزَّه لا يُشابه إثبات المخلوقين، فلا يذهب قلبك إلى صفات المخلوقين.

فأساس الخير كله في هذا المقام هو أن يكون القلب أولاً مستولياً عليه تعظيم الله وتنزيهه عن مشابهة خلقه، فهذا أساس الخير، وهو معنى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} فمن رزقه الله هذا العلم بمدلول {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} وعرف قداسة الله وعظمته، وعظمة أسمائه وصفاته، ونزاهتها عن مشابهة المخلوق، حمل ما مدح الله به نفسه على أكمل الوجوه وأتمها وأشرفها، وأبعدها مشابهة للخلق، وآمن بها على أساس ذلك التنزيه، أما الذي يزيغ به الشيطان إلى أن يحمل النصوص على أنها يُراد بها -ظاهرها- صفات المخلوقين، فمن أين للمخلوقين أن يُشَبِّهوا صفات خالقهم؟ وأين تُذكر صفة المخلوق عند صفة الخالق، وهو أثر مِنْ آثارِ قُدْرَتِهِ وإرادته وصنعة من صنائعه؟

وأنا أؤكد لكم كل التوكيد أن الواحد منا إذا مات على هذه الأسس الثلاثة:

أولًا: اعتقاده تعظيم الله وتنزيهه عن مشابهة خلقه.

والثاني: الإيمان، وتصديق الله بما مدح به نفسه، أو مدحه به رسوله، إيماناً وتصديقاً مبنيّاً على أساس التنزيه عن مشابهة الخلق، على غرار {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} وقطع الطمع عن إدراك الكيفيات،

<<  <  ج: ص:  >  >>