للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أنه يلقى الله سالماً من هذه الورطات والبلايا، أما الذي يَدَّعِي على الله أنه مدح نفسه بالاستواء في قوله: {عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: آية ٥] أن ظاهر هذا القرآن المتبادر منه التشبيه، وقذر ونجاسة لا تليق بالله، ثم يَتَجَرَّأ فينفيه، ثم يأتي بـ (استولى) فإن هذا لا يليق بكمال الله، والذين فعلوا هذا هم في الحقيقة أكثرهم مقصدهم حسن، لا يقصدون إلا تنزيه الله، إلا أنهم غلطوا أولاً في تفسير معاني الكتاب والسنة، وحملوا مداليل الآيات والأحاديث على أن ظاهرها التشبيه، فاضطروا إلى أن يَنْفوا، ولو فهموا منها أولاً معانيها الصحيحة الكريمة اللائقة المنزهة لما وقعوا في شيء من هذه المحاذير، فهم كما قال الشافعي رحمه الله (١):

رَامَ نَفْعاً فَضَرَّ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ ... وَمِنَ الْبِرِّ مَا يَكُونُ عُقُوقَا

وطريق الحق واضحة لا شك فيها:

وَالحَقُّ أَبْلَجُ لَا تَزِيغُ سَبِيلُهُ ... وَالحَقُّ يَعْرِفُهُ أُولُو الْأَلْبَابِ (٢)

لأن مَنْ نَزَّهَ اللهَ كل التنزيه عن مشابهة الخلق، ثم صَدَّقَهُ فيما وصف به نفسه تصديقاً مبنيّاً على أساس التَّنْزِيهِ، ووقف عند حدِّه فَعَرَفَ أن عَقْلَهُ لا يدرك كُنْه الكيفيات، فهو مؤمن مَاشٍ في ضوء القرآن، لم يَتَكَلَّفْ شيئاً، لم يحمل مَعْنًى من معاني نصوص الكتاب والسنة محملاً خبيثاً، ولم يَنْفِ عَنِ الله شيئًا أثْبَتَهُ لنفسه، ولم يأتِ من نفسه ببدل، مع أن مَنْ أوَّلَ لا بد أن يَرْجِعَ إلى ما هو أوْغَل في


(١) مضى عند تفسير الآية (١٤٨) من هذه السورة.
(٢) البيت في اللسان (مادة: خيل) (١/ ٩٣٢). ولفظه:
والصدق أبلج لا يُخيل سبيله ... والصدق يعرفه ذوو الألباب

<<  <  ج: ص:  >  >>