للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

البَصِيرُ} بعد {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} ونعرف قدر عقولنا أنها لا تحيط بكيفيات صفات خالق الكون، كما نصّ عليه في طه: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً (١١٠)} [طه: آية ١١٠] فوالله لو مات الواحد منا وحُشِرَ، وجاءه السؤال يوم القيامة، لا تأتيه بليّة، ولا لوم، ولا توبيخ، ولا عذاب من واحد من هذه الأسس الثلاثة، والله لا يلومه الله ويقول له: لِمَ تنزهني يا عبدي عن صفات خلقي؟ ولمَ تحمل المعاني التي مدحت بها نفسي على المعاني الشريفة الجليلة الكريمة؟ لا والله أبداً؛ فهذه طريق سلامة محققة، ولا يقول له الله موبخاً له: لِمَ تصدقني فيما أثْنَيْتُ به على نفسي، وتثبت لي ما أثبتُّه لنفسي على أساس التنزيه؟! لا والله؛ فهذه طريقة محققة السلامة، ولا يقول له الله: لِمَ لا تدَّعي أن عقلك المسكين المخلوق محيط بإدراك كيفيات صفاتي؟ لا والله {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً (١١٠)}.

فعلينا معاشر المسلمين أن نأخذ قُلُوبنا أولاً بتعظيم الله وتنزيهه عن مشابهة خلقه، فإذا اسْتَوْلَى التنزيه والتعظيم والإجلال على القلوب كان سهلاً عليها أن تؤمن بصفات الله إيماناً مبنيّاً على أساس التنزيه، ثم تقطع الطمع عن إدراك الكيفية، فتسلم من جميع الورطات، فتكون ما حملت معنى القرآن إلا على المعنى الكريم اللائق، ولا نفيتَ شيئًا أثبته الله، ولا جئتَ بشيء من تلقاء نفسك، هذا المذهب الذي كان عليه السلف الصالح، ودرج عليه عامة المسلمين، ومن نظر في كتب فقهاء الأمصار، كالأئمة رحمهم الله، وأمثالهم من فقهاء الأمصار؛ كالسفيانَيْن، والليث، ووكيع، ومن جرى مجراهم، يجدهم كلهم على هذه العقيدة، يُنَزِّهُون الله عن

<<  <  ج: ص:  >  >>