للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله جل وعلا: {مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً} {حَنِيفاً} هنا حال من إبراهيم (١)، والمعروف أن الحال لا تكون من المضاف إليه إلا إذا كان المضاف هو عامل الحال، أو كان المضاف كأنه جزء من المضاف إليه كما هنا، أو شبه الجزء (٢)، بدليل أنه لو حُذف لمَا ضَرَّ، لو قلت مثلاً: ديناً قيّماً مِلَّة إبراهيم، لو قلت: اتبعوا إبراهيم، لكفى عن: اتبعوا ملة إبراهيم.

والحنيف في لغة العرب: أصله الذي به حَنَف، وأصل الحَنَف في لغة العرب: هو أن يميل القدم الأيمن إلى جهة القدم الأيسر، والقدم الأيسر إلى جهة القدم الأيمن، فيكون في كلتا الرجلين اعْوِجَاجٌ، كل منهما تَعْوَج إلى الأخرى (٣)، فيقال للرجل: أحْنَف، وللمَرْأة: حَنْفَاء، وكان الأحنف بن قيس سيد تميم كذلك، وفيه سُمِّي الأحْنَف، وكانت أمه تُرقصُه وهو صبي، وهي تقول (٤):

واللهِ لَوْلَا حَنَفٌ بِرِجْلِهِ ... مَا كَانَ فِي فِتْيَانِكُمْ مِنْ مِثْلِهِ

هذا أصل الحَنَف، وصار أكثر ما يُستعمل الحَنَف في الميل عن الأديان الباطلة إلى الدين المستقيم (٥)، فالحَنِيفُ: المَائِل عن كل دين بَاطِل لا يُرضي الله إِلَى الدين المستقيم الذي يرضي الله، فهذا معنى كون إبراهيم {حَنِيفاً} أي: مائلاً صَادّاً عن جميع الأديان الباطلة إلى


(١) انظر: القرطبي (٧/ ١٥٢)، البحر المحيط (٤/ ٢٦٢).
(٢) انظر: ضياء السالك (٢/ ٢٢٩).
(٣) مضى عند تفسير الآية (٧٩) من سورة الأنعام.
(٤) السابق.
(٥) مضى عند تفسير الآية (٧٩) من سورة الأنعام.

<<  <  ج: ص:  >  >>