للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

العربِ، فنزلَ به القرآنُ؛ لأنه بلسانٍ عربيٍّ مُبِينٍ (١). نحو: {وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ} [الأنعام: آية ٣٨]، ومعلومٌ أنه لا يطيرُ إلا بِجَنَاحَيْهِ. {يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم} [آل عمران: آية ١٦٧] ومعروفٌ أنهم إنما يقولونَ بِأَفْوَاهِهِمْ. {يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} (٢) (ثم) هذه - كمان (٣) - تدلُّ على الاستبعادِ؛ لأن الكتابَ إذا كان مُخْتَلَقًا على اللَّهِ يبعُد كُلَّ البعدِ أن يقولَ الإنسانُ إنه من عِنْدِ اللَّهِ.

ثم بيَّن عِلَّةَ افترائِهم وتزويرِهم ودعواهم أن الكتابَ من عِنْدِ اللَّهِ، وهو ليس من عِنْدِ اللَّهِ، بَيَّنَ عِلَّةَ ذلك وعِلَّتَهُ الغائيةَ المقصودةَ عندهم بقولِه: {لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً} الاشتراءُ في لغةِ العربِ: الاستبدالُ، فَكُلُّ شيءٍ اسْتَبْدَلْتَهُ بشيء فقد اشْتَرَيْتَهُ، ومن هذا المعنى قولُ علقمةَ بنِ

عَبَدَةَ التميميِّ (٤):

وَالْحَمْدُ لَا يُشتَرَى إِلَاّ لَهُ ثَمَنٌ ... مِمَّا تَضِنُّ بِهِ النُّفُوسُ مَعْلُومُ (٥)


(١) انظر: ابن جرير (٢/ ٢٧٢)، القرطبي (٢/ ٩)، البحر المحيط (١/ ٢٧٧)، الدر المصون (١/ ٤٥١)، وانظر: ما سيأتي عند تفسير الآية (٣٨) من سورة الأنعام.
(٢) سئل الشيخ (رحمه الله): هل هناك علة أخرى غير التأكيد يحتملها مثل هذا الاستعمال؟ فأجاب الشيخ (رحمه الله) بقوله: نعم، ذكر بعض العلماء فيه نكتة غير هذا، وأن المراد بذكر الأيدي التسجيل عليهم حيث اختلقوه وكتبوه بأيديهم ثم نسبوا هذا الذي اختلقوه وكتبوه بأيديهم إلى الله (جل وعلا)، فلو وجدوه مكتوبا قبل هذا لكان الافتراء أخف، فالذي يكتب الشيء بيده ثم ينسبه إلى الله (جل وعلا)، فهذا أبعد؛ فيكون فيه شبه تسجيل زيادة في تقبيح فعلهم.
(٣) أي: (أيضا) كما في اللهجة الدارجة.
(٤) المفضليات ص٤٠١.
(٥) في المفضليات. (مما يضن به الأقوام معلوم). وبه يستقيم الوزن.

<<  <  ج: ص:  >  >>