للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

منهما تفيدُ ما تَضَمَّنَتْهُ من الأحكامِ والمعاني (١). أما على قراءةِ الجمهورِ: {فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ} فالتحقيقُ أن المعنى: أن الكفارَ لا يُكذبونك.

وَاعْلَمْ أنه معروفٌ في القرآنِ وفي لغةِ العربِ أن الفعلَ يُسْنَدُ إلى المجموعِ والمرادُ بعضُ المجموعِ لا جميعهم (٢)، وَمِمَّا يوضحُ هذا المعنى غايةَ الإيضاحِ من القرآنِ قراءةُ حمزةَ والكسائيِّ (٣): {فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ} [البقرة: آية ١٩١] بصيغةِ (القَتْل) في الفعلين؛ لأنه لا يُعْقَلُ أن الذي قُتِلَ بالفعلِ يُؤْمَرُ بقتلِ قاتلِه، وَلَكِنَّ المعنى: فإن قتلوا بعضَكم فليقتلهم البعضُ الذي لم يُقْتَلْ (٤). وهذا أسلوبٌ معروفٌ في القرآنِ وفي غيرِه. وإذا عرفتَ هذا فَاعْلَمْ أن بعضَ الكفارِ عَلِمُوا صدقَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في الباطنِ، وقلوبُهم مُوقِنَةٌ أنه صَادِقٌ (٥)، كما قال أبو جهل - لَعَنَهُ اللَّهُ - لَمَّا قال له الأخنسُ بنُ شُريق قال له: أنا وأنتَ في خلوةٍ، ليس معنا أحدٌ من قريشٍ، فَأَخْبِرْنِي عن صحةِ ما يقولُه محمدٌ (صلواتُ اللَّهِ وسلامُه عليه). فقال له أبو جهلٍ: وَاللَّهِ إِنِّي لأعلمُ أنه صادقٌ، وأنه نَبِيٌّ، وَوَاللَّهِ ما كذبَ محمدٌ قطُّ ولا يكذبُ، ولكن كنا نحن وَبَنُو هاشمٍ فَرَسَيْ رِهَانٍ، طعِموا فَأَطْعَمْنَا، وفعلوا


(١) في هذه القاعدة انظر: مجموع الفتاوى (١٣/ ٣٩١ - ٣٩٨، ١٥/ ٢٤٨، ١٧/ ٣٨١ - ٣٨٢)، شفاء العليل (٩٦)، البرهان للزركشي (١/ ٣٢٦)، الإتقان (١/ ٢٢٧)، أضواء البيان (٢/ ٨، ١٢٠، ٦/ ٢٢٦، ٦٨٠).
(٢) في هذا المعنى انظر: ابن جرير (١/ ٥٠١)، (٢/ ٤٨٥ - ٤٨٧، ٥٠٠)، (١٦/ ٩١) وراجع ما مضى عند تفسير الآية (٧٢) من سورة البقرة.
(٣) مضى عند تفسير الآية (٧٢) من سورة البقرة.
(٤) انظر: حجة القراءات ص (١٢٨).
(٥) انظر: ابن جرير (١١/ ٣٣١)، الدر المصون (٤/ ٦٠٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>