للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْهُدَى} لَفَعَلَ. والقاعدةُ المقررةُ في عِلْمِ العربيةِ: أن فعلَ المشيئةِ إذا قُرِنَ بشرطٍ أنه يُحْذَفُ مفعولُه دائما (١)؛ لأن جزاءَ الشرطِ يكفي عنه. والمفعولُ محذوفٌ تقديرُه: (ولو شاء اللَّهُ جَمْعَهُمْ على الْهُدَى لَجَمَعَهُمْ على الْهُدَى) فغالبًا إذا عُلِّقَ فعلُ المشيئةِ بالشرطِ حُذِفَ مفعولُه لدلالةِ جوابِ الشرطِ عليه، ولم نَجِدْهُ موجودًا في القرآنِ ولا في كلامِ العربِ، إلا إذا كانَ المفعولُ مصدرًا مُنْسَبِكًا من (أن) وَصِلَتِهَا، كقولِه: {لَوْ أَرَدْنَا أَن نَّتَّخِذَ لَهْوًا لَّاتَّخَذْنَاهُ} [الأنبياء: آية ١٧] {لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَاّصْطَفَى} [الزمر: آية ٤] لأن الأسلوبَ الشائعَ في القرآنِ هو حذفُ هدا المفعولِ، أن يقولَ: لو أَرَادَ اللَّهُ لاصْطَفَى وَلَدًا، (لو أرادَ لاتَّخَذَ لَهْوًا)، ولكنه هنا أثبتَ المفعولَ، وهو مصدرٌ منسبكٌ من (أن) وَصِلَتِهَا. ونظيرُه في إثباتِ المفعولِ - وهو مصدرٌ منسبكٌ من (أن) وَصِلَتِهَا - قولُ الشاعرِ (٢):

وَلَوْ شِئْتُ أَنْ أَبْكِي دَمًا لَبَكَيْتُهُ عَلَيْكَ وَلَكِنْ سَاحِةُ الصَّبرِ أَوْسَعُ

وقولُه: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ} (جل وعلا) {لَجَمَعَهُمْ} جميعًا {عَلَى الْهُدَى}، وَالْهُدَى هنا بمعناه الخاصِّ؛ لأنا قَدَّمْنَا في هذه الدروسِ- في الكلامِ على سورةِ الفاتحةِ- أن الْهُدَى يُطْلَقُ في القرآنِ إطلاقين: يطلق إطلاقًا عامًّا، ويطلقُ إطلاقًا خاصًّا، أما الهدى بمعناه العامِّ: فهو إبانةُ الطريقِ وإيضاحُها وتوضيحُ الخيرِ من الشَّرِّ. ومنه بهذا المعنى في القرآنِ: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ} [فصلت: آية ١٧] أي:


(١) انظر: الإتقان (٣/ ١٧٢ - ١٧٣)، الدر المصون (١/ ١٨٣، ٤/ ٦١٤).
(٢) البيت للخُريمي، وهو في الكامل للمبرد (٣/ ١٣٦٢)، تاريخ دمشق (٨/ ٢٠٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>