للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأعربوا: {الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} بأنه في محل نصب {رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} أعني {الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} وهذا القطع هو الذي يسميه علماء العربية: النصب على المدح {الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} الله (جل وعلا) الذي يرسل الرسل ويشرع الأحكام هو الذي له ملك السماوات والأرض.

وهذه الآية الكريمة دالة على أنه لا يشرع للخلق ويأمرهم وينهاهم ويحرم عليهم إلا الملك الذي هو نافذ التصرف نفوذًا مطلقًا، وله الكلمة العليا، وهو فوق كل شيء. هذه الآية تدل على هذا، وبذلك يُعلم أن الضعيف المسكين العاجز لا تشريع له، ولا يصح منه أن يحلل ولا أَنْ يُحَرِّمَ، فالَّذِي يُحَلِّلُ ويُحرِّم ويُشرع هو خالق هذا الكون (جل وعلا)؛ لأنه لا يشرع إلا الملك الأعظم الكبير الأكبر، كما قال هنا فيمن يرسل ويشرع على ألسنة الرسل: {الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ} [الأعراف: آية ١٥٨] فالذي يشرع قانونًا وضعيًّا إن كان له ملك السماوات والأرض، وهو الذي يحيي ويميت، وهو المعبود وحده فليتقدم وليشرع، وإن كان عاجزًا مسكينًا مربوبًا فليعلم قدره، وليقف عند حده، وليعلم أن من يحلل ويحرم هو الكبير الأكبر، والملك العظيم، كما قال تعالى: {ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لله الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ (١٢)} [غافر: آية ١٢] فالعلي الكبير الذي هو أعلى وأكبر من كل شيء، وأعظم من كل شيء، وهو الملك الأعظم، هذا هو الذي له حق التشريع، والتحليل والتحريم. وبهذا تعلمون أن الأمر ما أمر الله به، والنهي ما نهى الله عنه، والحلال ما أحله الله، والحرام ما حرمه الله، والدين ما شرعه الله،

<<  <  ج: ص:  >  >>