للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وبهذه الآيةِ يتفكرُ المسلمُ ويعتبر، ويعلمُ أنه بالنسبة إلى ضَعْفِهِ وافتقارِه؛ وعظمةِ اللَّهِ (جل وعلا) وجلالِه، أنه كالحيواناتِ والبهائمِ.

وكان بعضُ العلماءِ يقولُ: {إِلَاّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم} كما أنكم تعرفونَ اللَّهَ، وَتُسَبِّحُونَ اللَّهَ وَتُوَحِّدُونَهُ، فهم أممٌ أمثالُكم كذلك (١). ويدلُّ لهذا أن اللَّهَ (جل وعلا) قال: {وَإِن مِّنْ شَيْءٍ إِلَاّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لَاّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} [الإسراء: آية ٤٤] وقال جل وعلا: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ} [النور: آية ٤١].

ومما يقدحُ في هذا القولِ أن هذا النوعَ تستوي فيه الجماداتُ مع البهائمِ؛ [لأنه] (٢) دلَّ الكتابُ وَالسُّنَّةُ على أن الجماداتِ تشاركُ البهائمَ في هذا، واللَّهُ في آيةِ الأنعامِ هذه خَصَّ الحيواناتِ حيث قال: {وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ} أما ذلك الإدراكُ وتسبيحُ اللَّهِ فالجماداتُ تشاركُ فيه البهائمَ، ويشملها عمومُ قولِه: {وَإِن مِّنْ شَيْءٍ إِلَاّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ} [الإسراء: آية ٤٤] وقد سَبَّحَ الْحَصَى بيدِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - (٣). وقد ثَبَتَ في صحيحِ البخاريِّ في قصةِ الْجِذْعِ - وهي متواترةٌ (٤) - أن الجذعَ الذي كان يخطبُ عليه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا تَحَوَّلَ عنه إلى المنبرِ فَقَدَ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فحَنَّ حنينَ العِشَارِ، والمسجدُ غَاصٌّ


(١) المصدران السابقان.
(٢) في الأصل: «لأن الله بين» والكلام غير منتظم.
(٣) مضى عند تفسير الآية (٣٧) من سورة الأنعام.
(٤) انظر: دلائل النبوة للبيهقي (٢/ ٥٦٣)، شمائل الرسرل - صلى الله عليه وسلم - لابن كثير ص٢٤٣، فتع الباري (٦/ ٦٠٣)، شرح الشفا (١/ ٦٢٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>