للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والجبل المذكور في الأعراف هو الطور المصرّح به في سورة البقرة وفي سورة النساء؛ لأن الله ذكر رفع هذا الجبل عليهم في سورة البقرة فقال جلّ وعَلا: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ} [البقرة آية ٦٣] وقال في سورة النساء: {وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّدًا} الآية [النساء: آية ١٥٤]. ورفع الطور عليهم لأن نبي الله موسى (عليه وعلى نبيا الصلاة والسلام) لما كتب الله له كتابه التوراة بَيّنَ فيه الحلال والحرام والعَقَائِدَ وتفصيل كل شيء يُحْتَاج إليه من أمور الدنيا والآخرة، كانت فيه أوامر ونواهٍ زَعَمَ اليهود أنها شَاقَّةٌ عليهم فامتنعوا من قبولها، فلما عرض عليهم نبي الله موسى التوراة قالوا: لا نقبل هذا الكتاب، ولا نَتَحَمَّلُ هَذِهِ الأوَامِر والنواهي التي هي فيه؛ لأن فيها مشقة علينا. فأمر الله المَلَك فهزَّ الطور فاقتلعه ورفعه فوقهم قدر معسكرهم. والمؤرخون يقولون: هم قدر فرسخ في فرسخ، فصار الجبل فوقهم بقدرة الله كأنه ظُلّة، كأنه غمامة تظلهم فوق رؤوسهم، وقيل لهم: إنما هي واحدة من اثنتين: {خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ} [البقرة: آية ٦٣] التزموا ما في التوراة من الأحكام بقوة، أي: بجدٍّ واجتهادٍ بالعمل بما فيه والمحافظة عليه، وإلاّ سقط عليكم هذا الجبل. فلما نظروا الجبل فوقهم كأنه ظلّة خروا ساجدين، كل واحدٍ منهم خَرَّ ساجدًا على شِقِّ جبهته الأيسر، فسجود الواحد منهم بحاجبه الأيسر وعينه اليمنى ناظرة إلى الجبل خوفًا من سقوطه إليه، والتزموا العمل بما في التوراة، فرفع الله عنهم الجبل. وكان سجود اليهود على شِقِّ الجبهة الأيسر يقولون: هذا السجود هو الذي رفع الله عنا بسببه العقوبة، وهذا معنى قوله: {وَإِذ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ}؛ أي: رَفَعْنَا فوقهم الطور

<<  <  ج: ص:  >  >>