للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الإطلاقُ الثاني من إطلاقاتِ الضلالِ أن معناه: الغيبوبةُ والاضمحلالُ، وكلُّ شيءٍ غابَ وانعدمَ واضمحلَّ تقولُ العربُ: (ضل). تقول العربُ: «ضَلَّ السَّمْنُ فِي الطعامِ» إذا غابَ واضمحلَّ فيه، وهذا معنًى معروفٌ في كلامِ العربِ، ومنه بهذا المعنى الآيةُ المتقدمةُ: {وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ} [الأنعام: آية ٢٤] أي: غَابَ وَاضْمَحَلَّ وَزَالَ، ومنه قولُه: {وَقَالُوا أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ} [السجدة: آية ١٠] يَعْنُونَ أنهم اخْتَلَطَتْ عظامُهم بالأرضِ فَأَكَلَتْهَا فَانْعَدَمَتْ وَاضْمَحَلَّتْ فيها كما يضمحلُ السَّمْنُ في الطعامِ. ومن الضلالِ بهذا المعنى قولُ الأَخْطَلِ (١):

كُنْتَ الْقَذَى فِي مَوْجِ أَكْدَرَ مُزْبِدٍ قَذَفَ الأَتِيُّ بِهِ، فَضَلَّ ضَلَالَا

وقولُ الآخَرِ (٢):

أَلَمْ تَسْأَلْ فَتُخْبِرَكَ الدِّيارُ عَنِ الْحَيِّ الْمُضَلَّلِ أَيْنَ سَارُوا

فقولُه: «الحيِّ المضللِ» أي: الذي ذَهَبَتْ به الأيامُ، وانقضى ذِكْرُه فغابَ وَاضْمَحَلَّ.

الإطلاقُ الثالثُ من إطلاقاتِ الضلالِ: هو الذهابُ عن معرفةِ الشيءِ، لا عن طريقِ الصوابِ، ولا جنةٍ ولا نارٍ، بل كُلُّ شيءٍ ذَهَبَتْ عن حقيقةِ معرفةِ الواقعِ فيه تقولُ العربُ: «ضَلَّ عَنْهُ»، ومنه بهذا


(١) ديوان الأخطل (٢٥٠).
والقذى: الأوساخ التي تطفو على الموج.
والأكدر: الذي تغير لونه من الأوساخ.
والأتي: السيل الذي يأتي من كل مكان.
(٢) البيت في القرطبي (١/ ١٥٠)، الدر المصون (١/ ٧٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>