للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والتحقيقُ: أن الجموعَ المنكَّرة إذا كانت في سياقِ الإثباتِ ليست من صيغِ العمومِ (١)، [وَمَنْ] (٢) زَعَمَ مِنْ علماءِ الأصولِ: «أن الجمعَ المُنَكَّرَ من صيغِ العمومِ» فهو قولٌ مردودٌ، كما هو معروفٌ في الأصولِ، أما في الأعرافِ فقد بَيَّنَ أن هذه السُّنَّةَ من سُنَنِ اللَّهِ، أنها عامةٌ حيث قال: {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَاّ أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ (٩٤) ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ} [الأعراف: الآيتان ٩٤، ٩٥] يعني: بَدَّلْنَا مكانَ الجوعِ شِبَعًا، ومكانَ الفقرِ غِنًى، ومكانَ المرضِ صحةً وعافيةً؛ {حَتَّى عَفَوا وَّقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُم بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} هذه سُنَّةُ اللَّهِ في خَلْقِهِ، ذَكَرَهَا هنا في الأنعامِ، وَبَيِّنٌ الشمولُ والعمومُ في الأعرافِ.

ومعنى الآيةِ الكريمةِ: {فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ} (التضرعُ): التذللُ والخضوعُ لِلَّهِ (٣)، وكثيرًا ما يَظْهَرُ أثرُ ذلك في الدعاءِ بأن يبتهلَ ذلك الذليلُ الخائفُ من الله يبتهلُ مُتَضَرِّعًا يُنَاجِي رَبَّهُ (جل وعلا). و (الضارعُ): هو الذليلُ الخائفُ، و (الضَّرَاعَةُ): الذلُّ والخشوعُ والخوفُ، وهو معنًى معروفٌ في كلامِ العربِ، مشهورٌ في كلامِهم، ومنه قولُ الشاعرِ (٤):


(١) في هذه المسألة راجع؛ شرح الكوكب المنير (٣/ ١٣٩)، شرح مختصر الروضة (٢/ ٤٧٣)، أضواء البيان (١/ ٢١٨)، (٣/ ٣٢١)، (٤/ ١٧٤).
(٢) في الأصل: «وما».
(٣) انظر: المفردات (مادة: ضرع) (٥٠٦).
(٤) البيت لنهشل بن حري، أو ضرار بن نهشل، وقيل غير ذلك. وعجره:
ومُخْتَبِط مِمَّا تُطيح الطوائح
وهو في الكتاب لسيبويه (١/ ٢٨٨، ٣٦٦، ٣٩٨)، المحتسب (١/ ٢٣٠)، الخصائص (٢/ ٣٥٣)، الخزانة (١/ ١٤٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>