للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا} [الأنعام: آية ٤٤] يعني ولم يَزَلْ ذلك الفتحُ ممتدًا إلى غايةٍ، هي كونُهم فَرِحُوا بما أُوتُوا. {حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا} أي: ما أُعْطُوا من الصحةِ بدلَ المرضِ، ومن الغِنَى بدلَ الفقرِ، ومن الرِّيِّ والشبعِ بدلَ الجوعِ، فرحوا بهذا فَرَحَ أَشَرٍ وبَطَرٍ، لأنه ما كُلُّ فرحٍ مذمومٌ؛ لأن الفرحَ المذمومَ: هو الفرحُ بالدنيا المحضةِ، والأَشَرُ والبَطَرُ، لا من حيثُ أنها تُقَرِّبُ إلى اللَّهِ ولا تُرْضِيهِ. هذا الفرحُ المذمومُ المصحوبُ بالأَشَرِ والبَطَرِ، وعندما فَعَلُوهُ أهلكهم اللَّهُ. وهذا هو الذي ذَمَّ اللَّهُ به الإنسانَ بقولِه: {إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ} [هود: آية ١٠] أما الْفَرَحُ بالخيرِ، والفرحُ بالدينِ ومعرفةِ القرآنِ فهذا أمرٌ مطلوبٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ، كما نصَّ اللَّهُ على ذلك آمِرًا به بالسورةِ الكريمةِ - سورةِ يونسَ - حيث قال: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس: آية ٥٨] وَلَامُ الأمرِ في قولِه: {فَلْيَفْرَحُوا} تَدُلُّ على أن ذلك النوعَ من الفرحِ مأمورٌ به من اللَّهِ. والأمرُ إِنْ تَجَرَّدَ من القرائنِ اقْتَضَى الوجوبَ، كما هو معروفٌ في فَنِّ الأصولِ (١).

وقولُه هنا: {فَرِحُواْ بِمَا أُوتُوا} أَيْ: بما أُعْطُوا من الصحةِ والعافيةِ وَالْغِنَى والأموالِ والدَّعةِ والراحةِ فَرَحَ بَطَرٍ وَأَشَرٍ، حتى إذا حَصَلَ فيهم ذلك: {أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً} قَدَّمْنَا أن (الأخذ) إذا أُسْنِدَ إلى اللَّهِ هو الأخذُ بقوةٍ وَشِدَّةٍ (٢). كما قال: {إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ


(١) انظر: شرح الكوكب المنير (٣/ ٣٩)، أضواء البيان (١/ ٢٦٠)، (٣/ ٢٢٢، ٣٥٧، ٤٤٢)، (٤/ ٥٠٥)، (٥/ ١١٣، ١١٤، ٢٤٥)، (٦/ ٢١٦، ٢٣١، ٢٥٣)، قواعد التفسير ص ٤٧٩.
(٢) مضى قريبا عند تفسير الآية (٤٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>