للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ويريدون أن يعينوا عليه الكفار. إذا كان قَصْدُهُمْ بِالصُّلْح الذي طلبوه وجنحوا إليه المخادعة فلا يغرّنَّكَ ذلك، ولا تَكْتَرِثْ بِقَصْدِهِمُ الخداع فإنهم لا يضروك شيئاً؛ لأن اللهَ يَكْفِيكَ ذَلِكَ كُلَّهُ؛ ولذا قال: {وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ} الخديعة: الغُرور، وهو إبطانُ الشَّرِّ ومحاولَةُ إِيصَالِ الشرِّ بطريق خفية لا ظاهرة واضحة.

{فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ} حَسْبك: معناه كافيك الله (جل وعلا). العرب تقول: حَسبه كذا. معناه: كافيه كذا. وهذا معنى معروف في كلامها مشهور، ومنه قول جرير يهجو قوماً ممن كان يهجوهم (١):

وَلَقَدْ رَأَيْتُ مِنَ المَكَارِمِ حَسْبكُمْ ... أَنْ تَلْبَسُوا خَزَّ الثِّيَابِ وَتَشْبَعُوا ...

فَإِذَا تُذُوكِرَتِ المَكَارِمُ مَرَّةً ... فِي مَجْلِسٍ أَنْتُمْ بِهِ فَتَقَنَّعُوا

فقوله: حسبكم يعني: يكفيكم من المكارم أن تأكلوا وتشربوا، وهذا غاية الذم كما هجا الحطيئةُ الزبرقان بن بدر لما قال له (٢):

دَعِ المَكَارِمَ لا تَرْحَل لبُغْيَتِهَا ... وَاقْعُدْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الطَّاعِمُ الكَاسِي

وحبسه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب (رضي الله عنه).

{فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ} كافيك الله، يكفيك شَرَّهُمْ وشَرَّ خِدَاعِهِمْ، فَثِقْ بِهِ وتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ولا تكترث بإرادتهم بالصلِح الخَدَّاعِ. وهذا معنى قوله: {فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ} {هُوَ} أي: الله {الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ} أَيَّدَك: مَعْنَاه قوَّاكَ. فالعرب تقول: أيّده يؤيّده تأييداً. إذا قوّاه. وتقول: رجل أيِّد. إذا كان قَوِيّاً. و (الأيد) و (الآد):


(١) البيت في تاريخ دمشق (٢٩/ ١٨١) ونسبه لحسان (رضي الله عنه) وليس في ديوانه، ونسبه في شواهد الكشاف ص٧٠ لجرير.
(٢) البيت في ديوانه ص١٠٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>