للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

القوة (١). ومنه قوله تعالى: {وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْيدٍ} [الذاريات: الآية ٤٧] أي: بنيناها بقوّة. وليست من (الأيدي) جمع (يد) فليست من آيات الصفات، بل معناها: القوة. هذا معنى: {أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ} أي: قَوَّاك وعزّزك بِنَصْرِهِ. وأصل النصر في لغة العرب: إعانة المظلوم {أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ} وقوّاك أيضاً وأيّدك بالمؤمنين، ويدخل فيهم دخولاً أوّلاً: الأنصار -الأوس والخزرج- الذين آووه ونصرُوهُ وأيّدَهُ اللهُ بِهِمْ. كان الأوس والخزرج وهما بطنا الأنصار أبناء قَيْلة، أولاد حارثة الغطريف كانوا مكثوا سنين كثيرة بينهم حروب دَامِية وقتال هلك فيها أشرافهم، وقُتل فيها ساداتهم، وبينهم عداوات وإحن وأضغان مستحكمة قديمة متوارثة لا يكاد أن تزول من صدورهم أبداً، فلما أرسل الله إليهم نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم وآووه ونصروه، وأيده الله بنصره وبهم، أزال تلك الأضغان والعداوات الكامنة، وجعل مكانها المحبة الصادقة والمودة والإخاء الكامل؛ ولذا امتن الله عليهم بذلك هنا، وقد قدمنا نحوه في سورة آل عمران؛ لأنه قال: {هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (٦٢) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ} [الأنفال: الآيتان ٦٢، ٦٣] قال بعض العلماء: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ} يعني: الأنصار. وقال بعض العلماء: هي أعم مِنَ الأنْصَارِ؛ لأن العرب الذين هم أول مَنْ دَخَلَ في دينه صلى الله عليه وسلم كانوا أمّة بينها ضَغَائِن وحروب ومقاتلات لا تكاد تجتمع على رجل واحد، فجمع الله شتاتها ولَمَّ شَعْثَهَا وألّفَ قُلُوبَهَا على الإيمان.

وأكثر المفسرين على أن المُرَادَ بهم الأنصار (٢)، كانوا في


(١) مضى عند تفسير الآية (٢٦) من هذه السورة.
(٢) انظر: ابن جرير (١٤/ ٤٥)، القرطبي (٨/ ٤٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>