للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فحسْبُهُم الله أيضاً. وهذا معنى قوله: {حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال: الآية ٦٤].

ثم قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ} [الأنفال: الآية ٦٥] التحريض: هو الحَضُّ على الشَّيْءِ والحَثّ عَلَيْهِ بشدّة. حرّضهم على القتال، أي: حَثَّهُمْ وحرّصَهم عليه بشدّة؛ لأنّ القتال فيه خير الدنيا والآخرة، ثم إنه كان في أول الأمر يجب على المسلمين لقلّتهم أن يصابر الرجل الواحد منهم عشرة من الكفار، كان الرجل الواحد من المسلمين يجب عليه أن يصبر أمام عشرة مقاتلين من الكفار، فلذا قال: {إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ} [الأنفال: الآية ٦٥] فإذا قابلت العشرين بالمائتين كان كل رجل مقابل لعشرة كاملة {إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ} صابرون محتسبون لله في ميدان الحرب.

ثم قال: {وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفاً مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ} قرأ هذا الحرف نافع وابن كثير وابن عامر: {وإن تكن منكم مائة} بالتاء الفوقية. وقرأه العراقيون، أعني: أبا عمرو البصري والكوفيين الثلاثة -عاصماً وحمزة والكسائي- قرؤوه كلهم: {وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفاً} بالياء التحتية كما قبله (١)؛ لأن المائة إذا قابلت ألفاً فكل واحد بعشرة.

وكأن قائلاً قال: لِمَ كان الواحد من المسلمين يغلب العشرة من الكفار، ويجب عليه أن يصبر لها، والله لم يوجب عليه ذلك إلا لعلمه بأنه قِرْنٌ لها وكُفْؤٌ لها عند الضرورة قبل أن يكثر المُسْلِمُون،


(١) انظر: المبسوط لابن مهران ص٢٢٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>