للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فما موجب هذا حيث يكون الواحد من هؤلاء يقاوم العشرة من هؤلاء؟

[٨/ب] فبيّن الله (جل وعلا) الحكمة في ذلك،/ وهذه الحكمة التي بيّن الله بهذه الآية من سورة الأنفال حكمة سماويّة عَظِيمَة تحتها أسرار هائلة يجب على كل مسلم أن يَتَصَفَّحَهَا ويَتَعَقّلَهَا ويتَدَبَّرَ مَعَانِيَهَا، وخصوصاً كل الخصوص تحتّمها على العسكريين من المسلمين، يجب عليهم كل الوجوب أن يتأملوا هذه الآية من سورة الأنفال، وأَنْ يَتَصَفَّحُوا مَعْنَاهَا؛ فإن فيها سرّاً عظيماً لو تعقّله المسلمون لفهموا الحقائق، ولما ساروا في الظلام؛ لأن الله لما قال: {إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفاً مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ} بيّن علّة ذلك وأوضحها فقال: {بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَاّ يَفْقَهُونَ} {ذَلِكَ} وهو كون الواحد يغلب عشرة منهم ويصابرها بسبب أنهم قوم لا يفقهون. أي: لا فقه عندهم ولا فهم عن الله، والذي لا يفقه عن الله ولا يفهم ما عنده فهو كالبهيمة ليس له مبدأ يقاتل عليه، والذي يتقدم إلى الميدان في خطوط النار الأمامية ليس عنده مبدأ نبيل يقاتل عليه فهو مائع، هزيمته قريبة سريعة، لا يقاوم أبداً.

فإذا الْتَقَى مَنْ لا فقه عنده بمن عنده فقه عن الله فالمسلم القائم في الميدان للعشرة يفقه عن الله ويفهم، ويقول: إن ربي اشترى مني هذه الحياة القصيرة في هذه الأيام المعدودة، وهي حياة مكدّرة بالأمراض والأسقام والمصائب والبلايا والأحزان، اشتراها مني بحياة سرمدية أَبَدِيَّة لا انقطاع فيها ولا كدر ولا ألم ولا حزن، وهذا المال القليل اشتراه مني بالحور العين والولدان وغُرَفِ الجِنَان ومجاورة رَبٍّ غير غضبان، فهو ينتظر ما عند الله، فاهمٌ عن الله، يفقه عن الله، فهو متقدّمٌ في الميدان، لا يُهزم أبداً، ولو قُتل

<<  <  ج: ص:  >  >>