للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لكانت هي أمنيته، فهذا الذي يقاتل على هذا المبدأ النبيل، وهذا الغرض الصحيح، فاهماً عن الله، يفقه عن الله، هذا لا يقاومه الأهْوَج الجَاهِل الذي لا يفقه شيئاً، ولا يقاتل على مبدأ، فحياته أهم عنده مما يقاتل عليه، فالذين لا يفقهون عن الله من الجنود العسكريين لا يمكن أن يردّوا سليباً، ولا أن يُعلوا كلمة الله؛ لأنهم لا مبدأ لهم، وهم قومٌ لا فقه لهم، فلا يقاتلون على شيء ترخص بسببه نفوسهم عندهم ويرغبون فيما عند الله.

وهذا سِرٌّ لطيف عظيم، وتعليمٌ سماوي هائل، يفهم به المُسْلِمُون أَنَّ أَوَّلَ شَيْءٍ من الأساسيات للاستعداد للميدان هو الفِقْه والفَهْم عن الله، فيَجِبُ كُلّ الوجُوب أن يُعلَّم العَسْكَرِيُّونَ عَنِ اللهِ حَتَّى يَفْقَهُوا؛ لأنهم إذا كانوا فَاهِمِين عَنِ الله، عارفين بِنُبْلِ المَبْدَأ الذي يقاتلون عليه، كانوا شجعاناً وصابرين، لا يَرْجِعُونَ القَهْقَرَى ولا يُهزمون، كما سَجَّلَهُ التاريخ لأوائل هذه الأمة. وإن كانوا لا يفقهون عن الله شيئاً، جَهَلةٌ كالأنعام لا مبدأ لهم يقاتلون عليه، فهم ليسوا بأساس ولا معوَّل عليهم، يُهزمون مع كل ناعق كما بيّنته هذه الآية العظيمة الكريمة من سورة الأنفال. وهذا معنى قوله: {بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَاّ يَفْقَهُونَ} [الأنفال: الآية ٦٥].

الفقه في لغة العرب: معناه الفهم {قَالُواْ يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِّمَّا تَقُولُ} [هود: الآية ٩١] أي: ما نفهمه؛ لأنهم لا يفهمون عن الله شيئاً. وهذا معنى قوله: {بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَاّ يَفْقَهُونَ}.

فلما انتشر الإسلام وكثر المسلمون خفف الله (جل وعلا) عن المؤمنين وجوب مصابرة واحد لعشرة إلى مصابرة واحد لاثنين قال: {الآنَ} (الآن) يعبّر بها عن الوقت الحاضر الذي أنت فيه،

<<  <  ج: ص:  >  >>