للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٦٧)} [الأنفال: الآية ٦٧].

لما انهزم المشركون يَوْم بَدْرٍ كان سَعْد بن معاذ (رضي الله عنه) قائماً متوشّحاً سيفه على العريش الَّذِي فيه رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، رآه النبي صلى الله عليه وسلم ينظر كأنه ينظر إلى شيء يَكْرَهُهُ فقال: «كَأَنَّكَ تَنْظُرُ إِلَى شَيْءٍ تَكْرُهُه!!» قال: نَعَمْ، رأيتهم يأسرون الكفار ورَغْبَتِي أن يُقتلوا؛ لأن قتل الكفار أقوى للإسلام وأشدّ مناعة لشوكته، ويحصل به ضعف المشركين وانكسار شوكة الكفر، فقتلهم هنا أحبّ إليّ (١).

ولما اجتمع الأسارى عند رَسُول الله صلى الله عليه وسلم استشار أصحابه، فجاءت روايات متعدّدة أن ممن أشار عليه أبو بكر وعمر وعبد الله بن رواحة، ومن أكثرها إشارة أبي بكر وعمر، وأن أبا بكر قال له: يا رَسُول الله، إنهم قَوْمُكَ وعشيرَتُكَ فلا تَعْجَلْ عليهم وهم كفار، فاسْتَبْقِهِمْ وأمْهِلْهُمْ لَعَلَّ اللهَ أنْ يهديهم، وخُذْ مِنْ فِدَائِهِمْ ما يَتَقَوَّى به المسلمون على الجهاد في سبيل الله. وقال له عمر: هؤلاء قوم كَذَّبُوكَ وأخْرَجُوكَ وهم رؤساء الكفر فاقتلهم، فَأَعْطِ عقيل بن أبي طالب لأخيه علي -وعقيل من الأسارى ذلك اليوم- يقتله، وادفع العباس لحمزة ليقتله، وأعطني فلاناً -رجلٌ كان بينه وبين عمر نسب- ليعلم الله أن لا هوادة بيننا وبين الكفار، فإن قتل رؤساء الكفر هو الذي يكسر شوكة الكفر ويذلّه، ويعزّ دين الإسلام ويُعلي كلمة الله. فكأن النبي صلى الله عليه وسلم كان أمْيَل إلى ما قاله أبو بكر (رضي الله عنه). وذكروا في هذه الروايات أنه قال لأبي بكر: «قُلْتَ كَمَا قَالَ عِيسَى: {إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ} الآية


(١) مضى عند تفسير الآية (١٢) من سورة الأنفال.

<<  <  ج: ص:  >  >>