للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثم لامهم لوماً شديداً عظيماً من الله قال: {تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا} يعني: حطام الدنيا الزائل، فسماه عرضاً؛ لأنه عارض الوجود يعروه الزوال عن قريب، كما قدمنا في قوله: {يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الأدْنَى} [الأعراف: الآية ١٦٩] والله (جل وعلا) لا يريد عرض الدنيا بل يريد الآخرة، يريد لكم الآخرة بأن تقتلوا الكفرة، وتكسروا شوكة الكفر، وتذلوا أهله وأهلها، وتُعِزّوا كَلِمَةَ الله وتُعْلُوا دِينَ اللهِ فِي أرْضِهِ وهذه هي الآخرة التي يريدها لكم، وهذه الإرادة إرادة شرعية دينية، ولو كانت إرادة قدرية كونية لنفذت على كل حال؛ لأن اللهَ إذا أراد بإرادته الكونية القدرية شَيْئاً لا بد أن ينفذ كائناً ما كان {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٨٢)} [يس: الآية ٨٢] فَهَذِهِ إرادَتُهُ الشَّرْعِيَّةُ الدِّينِيَّة لكم كان الأولى لكم شَرْعاً ودِيناً أن تقتلوهم فتُعْلوا كلمة الله، وتذلوا كلمة الكفر، وهذا معنى قوله: {حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ}. {تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا} أي: حطامها الزَّائِلَ؛ لأنه عارض ينقضي ويزول {وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ} أي: الدار الآخرة. ومِنْ أَعْظَمِ أسْبَابِ الخُلُود في جناتها إعلاء كلمة الله، إذلال كلمة الكفر، وأكبر أسباب ذلك قتل الرؤساء قادَة الكفار وساداتهم. وهذا معنى قوله: {وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ}.

{وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} قَدَّمْنَا الكَلامَ عَلَيْهِ قَرِيباً.

وقوله: {لَّوْلَا كِتَابٌ مِّنَ اللَّهِ سَبَقَ} [الأنفال: الآية ٦٨] (لولا) في علم العربية هي حرف امتناع لوجود، والمعنى: امتنع أن يَمَسَّكُمْ عذاب الله بسبب [الكتاب السابق في الأزل] (١) {وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}.


(١) في هذا الموضع كلام غير واضح، وما بين المعقوفين [] زيادة يتم بها الكلام.

<<  <  ج: ص:  >  >>