للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لهم في قوله: {فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالاً طَيِّباً} [الأنفال: الآية ٦٩] ويدخل فيه فداء الأُسارى.

ومعنى قوله: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى} [الأنفال: الآية ٦٧] أن يأسر الرجال ويستعين بالمال بفدائهم حتى يثخن في الأرض. الإثخان: معناه الإيجاع في الأرض قتلاً، حتى يوجع في الأرض قتلاً، ويقتل الصناديد الكفرة والرؤساء العظام التي تضعف بهم شوكة الكفر وأهله. والإثخان: أصل الإثخان شدة الإيجاع في الأرض بالقتل (١). وقالوا: أثخنوهم أي: أوجعوا فيهم قتلاً شديداً ذريعاً، وأثخنته الجراحة: اشتدت عليه حتى أثبتته. وهذا الذي لامهم عليه هنا وبيّن لهم أنه ما كان هو الصواب، ولا هو الأولى أوضحه وشرحه في سورة القتال في قوله: {فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ} [محمد: الآية ٤] أي: أوجعتموهم قتلاً، قتلاً يضعف شوكة الكفر ويذل أهله، بعد ذلك {فَشُدُّوا الْوَثَاقَ} وهو الأسر {فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء} ولذا قال هنا: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ} يعني ما كان ينبغي لكم ولا يصح منكم أولاً أن تلتزموا أول وقعة نصركم الله فيها بالأسرى تريدون المال، لا ينبغي هذا منكم، وما كان هو الأولى لكم، كان الأولى لكم قتلهم وحصدهم حتى يذل الكفر ويستكين أهله، وتقوى شوكة الإسلام ويعز أهله. وهذا معنى قوله: {حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ} أي: يوجع فيها قتلاً؛ لأن ذلك القتل الوجيع هو الذي يذل الكفر ويكسر شوكته، ويعز الإسلام ويرفع كلمة الله (جل وعلا). وهذا معنى قوله: {حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ}.


(١) انظر: القرطبي (٨/ ٤٨)، الدر المصون (٥/ ٦٣٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>