وهذا معنًى معروفٌ في كلامِ العربِ، تقولُ العربُ:«رَبَّه يربُّه»، إذا سَاسَهُ وَدَبَّرَ شأنَه. وقد عَرَفْتُمْ في السيرةِ أن صفوانَ بنَ أميةَ بنِ خلفٍ طَلَبَ من النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - مهلةً ينظرُ في نفسِه، واستعارَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - منه بعضَ السلاحِ والدروعِ، وحضرَ مع النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - غزوةَ حُنَيْنٍ، وكان معه رجلُ آخَرُ، فلما وقعَ بالمسلمين ما وَقَعَ، حيث صَلَّوُا الصبحَ في غلسِ الصبحِ تَبَقَّى بقيةٌ من الظلامِ، وانحدروا في وادي حنين، وَوَجَدُوا مالكَ بنَ عوفٍ النصريَّ ألبدَ لهم هوازنَ في مضيقٍ من مضايقِ وَادِي حنين، وَشَدُّوا عليهم شَدَّةَ رجلٍ واحدٍ وهم في غفلةٍ، حتى كانت الرماحُ والسهامُ كأنها مطرٌ تُزَعْزِعُهُ الريحُ، ووقعَ بالمسلمين ما وَقَعَ حيث قال اللَّهُ:{وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ}[التوبة: آية ٢٥] فعندَ هذا قال ذلك الرجلُ الذي مع صفوانَ (١): الآنَ بَطَلَ سحرُ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -. وظنوا أن الهزيمةَ سَتَسْتَمِرُّ، وأن هوازنَ يغلبونَه ويملكونَ. فقال له صفوانُ بنُ أميةَ - وهو عدوٌّ في ذلك الوقتِ للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال لذلك الرجلِ: اسْكُتْ فُضَّ فُوكَ، لئن يَرُبَّنِي رجلٌ من قريشٍ أَحَبُّ إِلَيَّ من أن يَرُبَّنِي رجلٌ من
(١) وهو كلدة بن حنبل، ويقال: ابن عبد الله بن الحنبل، وسماه ابن اسحاق: جبلة بن الحنبل. انظر: السيرة لابن هشام ص ١٢٩٠، وفي الإصابة (٣/ ٣٠٥): «كلدة بن حسل. ويقال: ابن عبد الله بن الحسل. وعند ابن قانع: كلدة بن قيس بن حسل» اهـ.