للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثم قال: {وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُوا} هؤلاء الذين آمنوا ولم يهاجروا على أقسام: منهم الذين يرجعون إلى قَبَائِلِهِمْ في البادية من الأعراب، ومنهم من يكون في أهل مكة، وهؤلاء الذين في أهل مكة منهم من يُؤْمِن ولم ينزل بين أظهر الكفار اختياراً كالذي وقع ممن ذكرنا في سورة الأنفال، وهم العاص بن نُبيه، والحارث بن زمعة بن الأسود، وعلي بن أمية، وأضرابهم الذين نزل فيهم: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيراً (٩٧)}. ثم إن الله استثنى منهم المستضعفين الذين لا حيلة لهم فعذرهم فقال: {إِلَاّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَال وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً (٩٨) فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللهُ عَفُوّاً غَفُوراً (٩٩)} [النساء: الآيات ٩٧ - ٩٩]. كان ابن عباس يقول: أنا من المستضعفين من الولدان، وأمي من المستضعفات من النساء (١). قبل هجرتهم، أما الذين أسلموا ورجعوا إلى ديارهم في البادية كأبي ذر وأمثاله ممن أسلموا، ثم رجعوا ولم يهاجروا، بل بقوا في البادية فهؤلاء لا يرثون إخوانهم المهاجرين، بل يرثهم قبلهم إخوانهم من الأنصار والمهاجرين، وليس لهم في غنيمة المسلمين ولا في خمس الغنائم شيء، إلا أنهم يحكم لهم بحكم الإيمان، وإذا استنصروا المسلمين استنصار دين خاصة فعليهم أن ينصروهم، إلا إذا استنصروهم على مَنْ بَيْنَهُمْ وبينهم مُهَادَنة وعهود كما يأتي تحريره قريباً إن شاء الله. وهذا معنى قوله: {وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن وَلَايَتِهِم مِّن شَيْء}.


(١) أخرجه البخاري في التفسير، باب قوله: {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ... } (٤٥٨٧، ٤٥٨٨)، (٨/ ٢٥٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>