للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الأخرى (١): {ثُمَّ لَمْ تَكُن فِتْنَتُهُمْ إِلَاّ أَن قَالُواْ وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ (٢٣)} [الأنعام: الآية ٢٣] فهذه الفتنة هي في الحقيقة المعنى الثاني من هذه المعاني التي ذكرنا، وهي نتيجة الاختبار إذا كانت سيئة؛ لأنه إذا اتَّصَل الكافر بالمسلم، والمسلم بالكافر صار الكافر صديق المسلم، وصار المسلم صديق الكافر، فكل هذا ضلال مخالف لما جاء من الله، تتسبب عنه المحن والبلايا كما هو معروف.

وقوله: {وَفَسَاد} الفساد في لغة العرب هو ضد الإصلاح، فكل أمْرٍ ليس على وجهه الصحيح الذي هو إصلاح تسمية العرب فاسداً. ووصف هذا الفساد بالكبير؛ لأنه ضياع دين، وضعف إسلام، وقوة كفار، وإطلاعهم على عورات المسلمين بواسطة مَنْ يُصَادِقُهُمْ ويُوَالِيهِمْ من المسلمين، إلى غير ذلك من البلايا. وقد بَيَّنَ الله (جل وعلا) قبل هذا آيات تبيّن هذه الآية، فبيّن أن موالاة الكافر للمسلم لا يرخص منها في شيء إلا بقدر ما يدفع الضرورة عند الخوف، ويكون ذلك باللسان لتفادي الخوف فقط، كما تقدم في قوله: {لَاّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَاّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً} [آل عمران: الآية ٢٨] أي: تخافوا منهم خوفاً كما قاله بعض العلماء. وقد قدمنا أنه (جل وعلا) بَيَّنَ أن الذي يتولى الكفار اختياراً رَغْبَة فيهم وفي دينهم أنه منهم، كما تقدم في قوله: {وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [المائدة: الآية ٥١] فهذه الآيات الكريمة في القُرْآنِ العَظِيمِ، وبالأخص هذه الآية من أخريات سورة الأنفال تُبَيِّنُ لِلْمُسْلِم أنه تجب عليه مقاطعة الكافر والمُبَاعَدَة، منه واعتقاد أنه حرب عليه، وقد


(١) مضت عند تفسير الآية (١٥٥) من سورة الأعراف.

<<  <  ج: ص:  >  >>