للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [البروج: الآية ١٠] يعني: أحرقوهم بنار الأخدود. هذا معنى من معاني الفتنة.

ومعناها الثاني: أن الفِتْنَةَ تُطْلَقُ عَلَى الاخْتِبَار، وهذا أَشْهَرُ مَعَانِيها، وهو في الحقيقة راجع إلى الأول؛ لأن وضع الذَّهَبِ فِي النَّارِ ليختبر بالنار أخالص هو أم زائف؟ وإطلاق الفتنة على الاختبار إطلاق مشهور مُسْتَفِيض في القرآن العظيم وفي كلام العرب، ومنه قوله تعالى: {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقاً (١٦) لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ} [الجن: الآيتان ١٦، ١٧] {وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} [الأنبياء: الآية ٣٥] أي: اختباراً وامتحاناً. إلى غير ذلك من الآيات.

وإطلاق الفتنة الثالث: تطلق الفتنة على نتيجة الاختبار بِشَرْطِ كَوْنِهَا سَيِّئَة خاصَّة؛ لأن المختبر إذا كانت نتيجة اختباره سيئة كان ضالاًّ؛ ولذا تُطْلَقُ الفِتْنَة على الكفر والضلال، يقولون: فَتَنَه عن دينه؛ أي: أضَلَّهُ. وهذا مفتون؛ أي: ضال في دينه. ومنه بهذا المعنى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} [الأنفال: الآية ٣٩] أي: لا يَبْقَى فِي الدنيا شرك على أصح التفسيرين؛ لأن قوله: {حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} غاية غَيّا فيها القتال لِئَلاّ يكون في الدنيا شرك. وهذا بَيَّنَهُ النبي صلى الله عليه وسلم بياناً صريحاً صحيحاً في قوله: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَاّ اللهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ» (١).

قال بعض العلماء: جاء للفتنة إطلاق رابع في سورة الأنعام، وهو أنها أُطلقت على الحجة. قال: ومنه قوله تعالى: {ثُمَّ لَمْ تَكُن فِتْنَتَهُمْ إِلَاّ أَن قَالُواْ وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ (٢٣)} وفي القراءة


(١) السابق.

<<  <  ج: ص:  >  >>