للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَفَسَادٌ كَبِيرٌ} وهذا المشاهد الآن، فإن مَنْ يُسَمَّوْنَ بالمسلمين تولوا الكفار وقاطعوا المسلمين، وصار هذا الكافر وهذا المسلم يزعمان أنهما أَخَوَان، وأنهما تجمعهما العصبية الفلانية، أو القومية الفلانية، وأن هذه الدولة الكافرة صديقة، وأن هذين الشعبين شقيقان وما جرى مجرى ذلك.

فلم يفعلوا ما أمر الله بأن يفعلوه فكانت فتنة في الأرض وفساد كبير. ومن عِظم هذه الفتنة اختلاط الحابل بالنابل؛ لأن المسلمين إذا صادقوا الكفار أعانُوهُمْ عَلَى أَذِيَّةِ المُسْلِمِينَ وقَتْلهم وكل ما يريدونه بهم، وأطلعوهم على عوراتهم، إلى غير ذلك، فانتشر في الدنيا الفساد العريض العظيم، وانتشرت الفتنة، وهذا مشاهد يجب على المؤْمِنِينَ أنْ يَعْتَبِرُوا بهذا فيقطعوا ولايتهم من جميع الكفار، ويصدقوا ولاية بعضهم لبعض لئلا تتمادى بهم هذه الفتنة والفساد الكبير.

وقد قدمنا في هذه الدروس مراراً (١) أن الفتنة جاءت في القرآن لمعانٍ معروفة، أشهر معاني الفتنة: أن أصل الفتنة هي وَضْعُ الذَّهَبِ فِي النَّارِ ليُمْتَحَن بسبكه في النار: أخالص هو أم زائف؟ تقول العرب: فتنت هذا الذهب؛ أي: جعلته في النار وأذَبْتُهُ فيها؛ لأنه إذا ذاب تبين أخالص هو أم زائف؟ ولذا صار يأتي في القرآن وفي كلام العرب إطلاق اسم الفتنة على مطلق الوضع في النار، ومنه قوله تعالى: {يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (١٣)} [الذاريات: الآية ١٣] أي: يوضعون فيها ويحرقون. ومنه على أحد التفسيرين قوله تعالى:


(١) راجع ما سبق عند تفسير الآية (٥٣) من سورة الأنعام.

<<  <  ج: ص:  >  >>