للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أي: ما ذكر من الأشياء المتعددة من اثنين فصاعداً، وهذا موجود في الضمائر، وفي كلام العرب، ولما أنشد رؤبة بن العجاج في رجزه (١):

فيها خُطوطٌ من سَوادٍ وَبَلَقْ ... كأَنَّهُ في الجِلْدِ تَوْلِيعُ البَهَقْ

قال له رجل: لِمَ قلت: «كأنَّهُ» إذا كنت تعني الخطوط فالصواب أن تقول: «كأنَّهَا» وإذا كنت تعني السواد والبلق فهلا قلت: «كَأَنَّهُمَا» فأي وجه لقولك: «كأنه»؟ قال: كأنه أي: ما ذُكر. ومِنْ أَصْرَحِ الأدِلَّةِ القرآنية في ذلك هو قوله تعالى في سورة الأنعام: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُم مَّنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُم بِهِ} (به) أي: بجميع ما ذُكر من سمعكم وأبصاركم وقلوبكم كما لا نزاع فيه. وهذا معنى معروف في كلام العرب، وقد قدمنا بعض شواهده في سورة البقرة في الكلام على قوله: {إنَّهَا بَقَرَةٌ لَاّ فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ} (٢) أي: بين ذلك المذكور من الفارض والبكر. ومن نظيره في الإشارة قول ابن الزبعرى السهمي (٣):

إِنَّ لِلْخَيْرِ ولِلشَّرِّ مَدًى ... وكِلَا ذَلِكَ وَجْهٌ وقَبَل

أي: كلا ذلك المذكور.

والمعنى: إلا تفعلوا ذلك الذي ذكرنا من موالاة بعضكم لبعض موالاة صدق، ومقاطعتكم للكفار مقاطعة كاملة، وترك الكفار يوالي بعضهم بعضاً إلا تفعلوا هذا {تَكُنْ} أي: تقع {فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ


(١) تقدم هذا الشاهد عند تفسير الآية (٥٤) من سورة البقرة.
(٢) راجع الموضع السابق، وكذا ما ذكره عند تفسيره للآية (٦٩) من سورة البقرة.
(٣) تقدم هذا الشاهد عند تفسير الآية (٥٤) من سورة البقرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>