للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(إن) الشرطية التي تجزم فعلين إن جاءت بعدها (لا) النافية لا تمنع عملها من الجزم، فهي (إن) الشرطية، وفعل الشرط هو قوله: {إِلَاّ تَفْعَلُوهُ} مجزوم بحذف النون، وجزاء الشرط هو قوله: {تَكُنْ فِتْنَةٌ} والتحقيق: أن (تكن) أنه هنا تام، وأن (فتنة) فاعله، وليس من الأفعال الناقصة الناسخة كما هو الصواب، والضمير في قوله: {تَفْعَلُوهُ} أما الضمير المرفوع الذي هو الواو فهو عائد إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وهو يتناول جميع المسلمين إلى يوم القيامة. وأما الضمير المنصوب فهو ضمير الواحد الغائب -أعني الهاء في قوله: {إِلَاّ تَفْعَلُوهُ} - فلعلماء التفسير في مرجع هذا الضمير أقوال معروفة (١) سنذكر طرفاً منها ونبيّن الصواب فيها -إن شاء الله-: قال بعض العلماء: {إِلَاّ تَفْعَلُوهُ} راجع إلى الميراث المفهوم من قوله: {بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ} لأنه يدخل فيها ولاية الميراث، إلا تتركوا الكافر يرث الكافر، والمسلم يرث المسلم دون الكافر تكن فتنة. وهذا مروي عن ابن عباس (٢) وغيره، ومعه أقوال شبهه.

والتحقيق الذي لا شك فيه -إن شاء الله- أن الضمير -الهاء- في قوله: {إِلَاّ تَفْعَلُوهُ} عائد إلى ما ذكره الله (جل وعلا) من ولاية المسلمين بعضهم بعضاً ومقاطعتهم للكفار، وولاية الكفار بعضهم بعضاً، وقد جرت العادة في كلام العرب الذي نزل به القرآن، وفي القرآن العظيم، أنه يرجع الضمير أو ترجع الإشارة إلى أشياء متعددة ويرجع الضمير إليها بصيغة الإفراد (٣)، كأنه يعني بالضمير


(١) انظر: الدر المصون (٥/ ٦٤١).
(٢) أخرجه ابن جرير (١٤/ ٨٦) من طريق علي بن أبي طلحة.
(٣) مضى عند تفسير الآية (٤٨) من سورة البقرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>