للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله: {وَالَّذينَ كَفَرُواْ} مبتدأ، و {بَعْضُهُمْ} مبتدأ آخر، و {أَوْلِيَاء} خبر الثاني، والثاني وخبره خبر الأول كما هو واضح. وقد قَدَّمْنَا في هَذِهِ الدروس مراراً (١) أن مادة الكاف والفاء والراء (كَفَرَ) أن معناها في لغة العرب التي نزل بها القرآن: السّتْر والتغطية، فكل شيء غطيته وسترته فقد كفرته، وهذا معنى معروف في كلام العرب مشهور مبتذل في كلامهم جدّاً، ومنه سَمَّتِ العَرَبُ اللَّيْلَ كافِراً؛ لأنه يكفر الأجرام ويغطيها عن العيون بظلامه، ومنه قول لبيد بن ربيعة (رضي الله عنه) في معلقته (٢):

حَتَّى إذا أَلقَتْ يَداً في كَافرٍ ... وأَجنَّ عَورَاتِ الثغُورِ ظَلَامُهَا

ومن هذا المعنى قول لبيد أيضاً في معلقته هذه (٣):

يعلُو طَرِيقَةَ مَتْنِهَا مُتَوَاترٌ ... في لَيْلَةٍ كَفَرَ النّجُومَ غَمَامُهَا

يعني: ستر النجوم وغَطَّاهَا غَمَامُهَا. هذا أصل المادة، وتكفير السيئات من هذه المادة؛ لأن الله يغطيها ويسترها بحلمه حتى لا يظهر لها أثر يتضرر به صاحبها، وإنما قيل للكافر (كافر) لأنه يغطي أدِلَّة التوحيد بجحوده مع وضوحها، ويغطي نعمة الله ويسترها كأنه ليس عليه إنعام من الله حيث يأكل رزقه ويتقلب في نعيمه ويعبد غيره.

وقوله (جل وعلا) في هذه الآية الكريمة: {إِلَاّ تَفْعَلُوهُ} هي (إن) الشرطية أُدْغِمَتْ فِي (لا) النافية. والمقرر في علم العربية: إن


(١) مضى عند تفسير الآية (٤٥) من سورة الأعراف.
(٢) مضى عند تفسير الآية (٤٥) من سورة الأعراف.
(٣) مضى عند تفسير الآية (٤٥) من سورة الأعراف.

<<  <  ج: ص:  >  >>