وهذه الآيةُ وأمثالها في القرآن هي التي تمسّك بها الصدِّيق أبو بكر (رضي الله عنه) في قتالِ أهل الردة، لما منعوا الزكاة، فإنَّ الصَّحَابَةَ أوَّلاً قالوا: كيف نُقَاتِلُهُمْ وَهُمْ يَشْهَدُون أن لا إله إلا الله وأنَّ محمَّداً رَسُول الله؟! ومن مثل هذه الآية استدلَّ أبو بكر (رضي الله عنه) لأن الله قال: {فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ} بعد ثلاثة شروط، وهي: توبتهم مِنَ الشِّرْك، وإقامتهم الصلاة، وإيتاؤهم الزكاة. وقد تَقَرَّرَ في علم الأصول، أنَّ الشرط المشروط بشروطٍ متعدِّدة لا يحصل المشروط إلا بجميعها. فلو قلت لِعَبْدِكَ: إن صام زيد، وصلى، وقام وقعد فأَعْطِهِ دِيناراً، فإنه لا يستحق الدينار إلا إذا فعل جميع الشروط كلها، ولذا تخلية سبيلهم مشروطةٌ بهذه الشروط كلها؛ لأنَّ ما عُلِّق على شرطين أو شروط لا يتحصل إلا بجميع تلك الشروط، كما هو مقرر في الأصول. وأخت هذه الآية آتية قريباً في قوله:{فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلَاةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ}[التوبة: آية ١١] مفهومه: أنَّهم إن لَمْ يَتُوبُوا، أَوْ لم يُقِيمُوا الصلاة، أو لم يؤتوا الزكاة فلا تخلوا سبيلهم، وليسوا إخوانكم في الدين، أي: وهو كذلك.
وهذه الآية الكريمة قال بعض العلماء: يؤخذ منها أنَّ مَنْ قَالَ: «تُبْتُ» فقط لا يجتزئ بذلك حتى يفعل أفعالاً تدل على صحة ما يَقُولُ؛ لأنَّ إِقَامَةَ الصَّلَاةِ وإِيتَاءَ الزَّكَاةِ بَرَاهِين وأدلة على صدقه في توبته التي قال. وهذا معنى قوله:{فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلَاةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}[التوبة: آية ٥] كثير المغفرة والرحمة، ومن رحمته ومغفرته الكثيرة تَوْبته ورحمته للذين تابوا من شركهم، وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة، فهو كثير المغفرة والرحمة، يرحم هؤلاء ويغفر لهم؛ لأنَّ من تاب تابَ الله