للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْهُذَلِيِّ (١):

وَعَلَيْهِمَا مَسْرُودَتَانِ قَضَاهُمَا دَاوُدُ أَوْ صَنَعُ السَّوَابِغِ تُبَّعُ

قضاهما: يعني صَنَعَهُمَا.

وقوله: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَاّ لِلَّهِ} (إن) هي النافيةُ، والألفُ واللامُ في (الحكمِ) هي للاستغراقِ، والعبرةُ بعمومِ الألفاظِ لا بخصوصِ الأسبابِ (٢)؛ لأن سببَ نزولِ الآيةِ في الحكمِ الكونيِّ القدريِّ، حيث قالوا له: عَجِّلْ لنا العذابَ، وَأَنْزِلْ علينا الآياتِ. فَأَخْبَرَهُمُ اللَّهُ أن ذلك الحكمَ الكونيَّ القدريَّ من تعجيلِ العذابِ وإنزالِ الآياتِ إنما هو لِلَّهِ وَحْدَهُ، هو الذي بيدِه ذلك، وعمومُ الآيةِ يقتضي أن الحكمَ من حيث هو: هو لِلَّهِ (جل وعلا) وحدَه، كذلك الحكمُ الشرعيُّ له وحدَه. ويدلُّ على دخولُ الحكمِ الشرعيِّ: أنه قَالَ في الآيةِ: {وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ} لأن (الفاصلين) جمعُ (الفاصلِ)، وهو الذي يَفْصِلُ الخصومَ، وينصف بينها، وَيُحَقِّقُ الحقَّ بينها. ولا شَكَّ أن الحكمَ من حيث هو حكمٌ سواء كان شَرْعِيًّا أو قَدَرِيًّا فإنه لِلَّهِ وَحْدَهُ، فالأحكامُ القدريةُ له، لا يقعُ تحريكٌ ولا تسكينٌ، ولا خيرٌ ولا شَرٌّ، ولا شيءٌ كائنٌ ما كان إلا بِحُكْمِهِ (جل وعلا) وقدرتِه ومشيئتِه. وكذلك الأحكامُ الشرعيةُ لا تشريعَ لأحدٍ ولا تحليلَ لأحدٍ إلا لَهُ (جل وعلا) وحدَه، فالحلالُ مَا أَحَلَّهُ اللَّهُ، والحرامُ ما حَرَّمَهُ اللَّهُ، والدينُ ما شَرَعَهُ اللَّهُ؛ لأنه من المعلومِ أنه لا تشريعَ إلا للسلطةِ العليا،


(١) البيت في البحر المحيط (٤/ ١٤٣)، الدر المصون (٢/ ٨٦).
(٢) انظر: البحر المحيط في أصول الفقه (٣/ ١٩٨، ٢١٠، ٢٢٠)، شرح الكوكب المنير (٣/ ١٧٧)، قواعد التفسير (٢/ ٥٩٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>