للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والسلطةُ الحاكمةُ على السماواتِ والأرضِ هي التي لَهَا الأمرُ والنهيُ والتشريعُ. فالتشريعُ لِرَبِّ العالمين {فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ} [غافر: آية ١٢] {إِنِ الْحُكْمُ إِلَاّ لِلَّهِ} [الأنعام: آية ٥٧] {وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا} [الكهف: آية ٢٦] فالحاكمُ هو اللَّهُ، والتشريعُ تشريعُ اللَّهِ، والنبيُّ - صلى الله عليه وسلم - مُبَلِّغٌ عن اللَّهِ شَرْعَهُ لخلقِه، والمشرعُ هو الخالقُ جل وعلا.

وَيُفْهَمُ من هذا أن مَنْ زَيَّنَ لَهُ الشيطانُ أن يكونَ مُشرِّعًا يُحَلِّلُ وَيُحَرِّمُ، ويضعُ النُّظُمَ والقوانين لِيُحَكِّمَهَا في دماءِ الناسِ وأموالِ الناسِ وأعراضِهم وعقولِهم: أن هذا متمردٌ على نظامِ السماءِ، يُحَاوِلُ أن يجعلَ لنفسِه خصوصيةَ خالقِ السماواتِ والأرضِ، عُتُوًّا وَتَمَرُّدًا على اللَّهِ، فهو كافرٌ، وقد دَلَّ القرآنُ العظيمُ في آياتٍ كثيرةٍ أن مَنْ يَتَّبِعُ نُظُمًا وقوانين وضعيةً شَرَّعَهَا الشيطانُ على ألسنةِ أوليائِه مُدَّعِيًا أن تشريعَ خالقِ السماواتِ والأرضِ لا يصلحُ لتنظيمِ الْعَالَمِ، ولا يُسَايِرُ التطورَ، فمن يرى هذا ويرى نظامَ إبليسَ هو الذي يقومُ بمصالحِ البشرِ، ونظامَ خالقِ السماواتِ والأرضِ - الذي خَلَقَ هذا الكونَ وهو أعلمُ بِمَصَالِحِهِ - أنه لَا يُسَايِرُ التطورَ، ولا يُنَظِّمُ علاقاتِ الدنيا على الوجهِ الذي ينبغي: فهذا لا شَكَّ بين أهلِ العلمِ في أنه كافرٌ كُفْرًا بواحًا مُخْرِجًا عن دينِ الإسلامِ (١)، والآياتُ القرآنيةُ الدالةُ على هذا كثيرةٌ جِدًّا، من ذلك ما بَيَّنَّاهُ مِرَارًا: أن إبليسَ عليه لعنةُ اللَّهِ لَمَّا جاء تلامذتُه وإخوانُه من أهلِ مكةَ، وأرادَ أن يُهَيِّئَ لهم وحيَ الشياطين ليجادلوا به النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، قال لهم: سَلُوا مُحَمَّدًا


(١) انظر: الأضواء (٧/ ١٦٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>