للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تَخَلَّفَ، وَعُرِفَ مُقَاتِلَةُ كُلِّ جهةٍ من الجهاتِ، وَجُعِلَ كُلُّ جهةٍ في جهتِهم يَحْمُونَهَا مما يكون إليهم، وَصَارَتْ كُلُّ جهةٍ أهلُها أَهْلُ ديوانٍ، فكتبَ أسماءَ الجندِ في ديوانٍ. هذا نظامٌ عسكريٌّ لَمْ يَفْعَلْهُ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ولا أبو بكرٍ، ولكنها مصلحةٌ محضةٌ لا تُخَالِفُ نَصًّا من كتابِ اللَّهِ ولا سنةِ نَبِيِّهِ، فهي مصلحةٌ عَمِلَهَا عمرُ بنُ الخطابِ، ولم يُخَالِفْ أحدٌ من الصحابةِ مع كثرتِهم وَعِلْمِهِمْ. ومن هذا المعنى: أن زمنَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وزمنَ أبي بكرٍ لم يكن عندَ المسلمين سجنٌ يقفون فيه الجُناةَ، ولا يسجنونَ فيه، فَلَمَّا كانت الخلافةُ لعمرَ (رضي الله عنه) اشترى دارَ صفوانَ بنِ أميةَ في مكةَ، وَجَعَلَهَا سجنًا يقفُ فيه الناسُ حتى ينظرَ في أمورِهم، وربما سُجِنَ به بعضُ الْمُذْنِبِينَ (١). فهذا السجنُ هو مصلحةٌ إداريةٌ لم تَكُنْ في زمنِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ولا أبي بكرٍ، والقصدُ مطلقُ التمثيلِ.

فهذا النوعُ من ضبطِ الأمورِ وتنظيمِ الإدارةِ بما لا يخالفُ نَصًّا من كتابِ اللَّهِ ولا سنةِ نَبِيِّهِ، فهذا لا نقولُ: إنه كُفْرٌ، ولا نقول: إنه حَرَامٌ. وهو من المصالحِ المرسلةِ التي عَمِلَ بها الصحابةُ، ولم يُخَالِفْ منهم أَحَدٌ، وكان مالكٌ يجعلُ هذا النوعَ أصلاً من أصولِ مَذْهَبِهِ (٢)، وهو (الْمَصَالِحُ الْمُرْسَلَةُ) قال: لأن الصحابةَ أَجْمَعُوا عليه؛ لأن أفضلَ الصحابةِ بعدَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أبو

بكر، عَمِلَ بالمصلحةِ المرسلةِ لَمَّا حَضَرَتْهُ الوفاةُ - يعني باحتضارِ الوفاةِ، في ذلك الوقتِ


(١) انظر: البخاري، الخصومات، باب الربط والحبس في الحرم، (٥/ ٧٥)، تغليق التعليق (٣/ ٣٢٦)، أخبار مكة للأزرقي ج (٢/ ١٦٥، ٢٦٣)، تهذيب الأسماء واللغات (٢/ ١٢٢)، التراتيب الإدارية (١/ ٢٩٨).
(٢) انظر: نثر الورود (٢/ ٥٠٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>