للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يتوبُ المجرمُ، وينيبُ الظالمُ، أَحْرَى أبو بكر (رضي الله عنه)، فهذا فرعونُ الذي كان يقولُ: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} [النازعات: آية ٢٤] لَمَّا عَايَنَ الغرقَ قال: {آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَاّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ} [يونس: آية ٩٠] {فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} [غافر: آية ٨٤] أَحْرَى أبو بكر في آخِرِ لحظةٍ من حياتِه - عن عائشةَ (رضي الله عنها) قالت: كَتَبَ أبي وصيتَه في سطرين: هذا ما أَوْصَى ابنُ أَبِي قحافةَ: إني استخلفتُ عليكم عمرَ بنَ الخطابِ، فإن يَعْدِلْ فذلكَ ظَنِّي به، وإن يَجُرْ فلَا أعلمُ الغيبَ {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} [الشعراء: آية ٢٢٢] (١). لم تَرِدْ آيةٌ في كتابِ اللَّهِ، ولا نَصٌّ من سنةِ رسولِ اللَّهِ لأَبِي بكرٍ أن ينيبَ عمرَ على الناسِ، ولكن رَأَى المصلحةَ تَقْتَضِي ذلك، فَفَعَلَ هذه المصلحةَ، ولم يُنْكِرْ عليه أحدٌ من الناسِ، فتوليتُه له من المصلحةِ المرسلةِ (٢)، لا من قياسِ العهدِ على العقدِ، كما قال به بعضُ الناسِ.

والحاصلُ أن النظامَ نوعانِ: نظامٌ لا يَتَعَرَّضُ لقواعدِ الشرعِ، وإنما هو تنظيمٌ مَصْلَحِيٌّ لَا يتعرضُ للقواعدِ، فهذا هو الذي ذَكَرْنَا أنه لَا بَأْسَ به، وأن الصحابةَ فَعَلُوهُ.

والثاني: نظامٌ تَشْرِيعِيٌّ، وهو الذي كُنَّا نتكلمُ عليه وَنُورِدُ فيه الآياتِ، كالذي يقولُ: إن الأُنْثَى تَمُتُّ بالقرابةِ التي يَمُتُّ بها الذَّكَرُ، فتفضيلُه عليها ظلمٌ وَجَوْرٌ. وكالذي يقولُ: إن تعددَ الزوجاتِ يجعلُ الرجلَ دَائِمًا فِي شَغَبٍ، ولو أَخَذَ واحدةً لكانَ معها في خفضٍ وَدَعَةٍ،


(١) الطبقات الكبرى (٣/ ١٤٢)، عيون الأخبار (١/ ١٤)، مختصر تاريخ دمشق (١٣/ ١٢٠).
(٢) انظر: نثر الورود (٢/ ٥٠٦ - ٥٠٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>