للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بصفوانَ بنِ المُعَطلِ في غزوةِ بني المُصْطَلقِ، كما قَصَّ اللَّهُ القصةَ مُوضحةً في سورةِ النورِ، كان (صلواتُ اللَّهِ وسلامُه عليه) مع ما آتَاهُ اللَّهُ من العلمِ والمكانةِ العظيمةِ لَا يَدْرِي أَحَقٌّ ما قالوا عن زوجتِه أَمْ كَذِبٌ، وكان يقولُ: «كَيْفَ تِيكُمْ؟» وفَقَدَتْ منه العطفَ الذي كَانَتْ تَجِدُهُ إذا مَرِضَتْ، وكان يقولُ لها غيرَ دَارٍ بالحقيقةِ: «يَا عَائِشَةُ إِنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ بِذَنْبٍ فَتُوبِي، وَإِنْ كُنْتِ بَرِيئَةً فَسَيُبَرِّئُكِ اللَّهُ». ولم يَعْلَمْ بالحقيقةِ حتى أخبرَه عَالِمُ الغيبِ والشهادةِ {إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ} [النور: آية ١١] فَسَمَّاهُ: إِفْكًا، ثم قال في آخِرِ الآياتِ: {أُولَئِكَ مُبَرَّؤُونَ مِمَّا يَقُولُونَ} [النور: آية ٢٦] فَلَمْ يَعْلَمِ الحقيقةَ إلا بعد أن عَلَّمَهُ اللَّهُ إياها.

وَلَمَّا نَزَلَتْ عليه آياتُ بَرَاءَتِهَا في بيتِ أبي بكرٍ وسُرِّيَ عنه وهو يَتْبَسِمُ، وقال: «أَمَّا أَنْتِ يَا عَائِشَةُ فَقَدْ بَرَّأَكِ اللَّهُ». فقالت لها أُمُّهَا أُمُّ رُومَانَ: «قُومِي إليه فَاحْمَدَيْهِ». قالت لها: «وَاللَّهِ لا أحمدُه، ولا أحمدُ اليومَ إلا اللَّهَ؛ لأنه لم يُبَرِّئْنِي، وإنما بَرَّأَنِي اللَّهُ» (١).

وهذا نَبِيُّ اللَّهِ إبراهيمُ، وهو هو، ذَبَخَ عِجْلَهُ، وتعبَ هو وامرأتُه بإنضاجِ العجلِ وحَمْلِهِ، كما قال اللَّهُ: {فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ} [هود: آية ٦٩] ولم يدرِ أن الذين يُنْضِجُ لهم عجلَه أنهم ملائكةٌ كرامٌ لا يأكلونَ! ولأجلِ عدمِ عِلْمِهِ بذلك لَمَّا لم يأكلوا خافَ منهم {فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً} [هود: آية ٧٠] وما هذا إلا لأنه لا يعلمُ بحقيقتِهم، وما دَرَى عن الأمرِ حتى أَخْبَرُوهُ! سألَهم: {فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ}؟ [الحجر: آية ٥٧]


(١) البخاري، كتاب الشهادات، باب تعديل النساء بعضهن بعضا. حديث رقم (٢٦٦١)، (٥/ ٢٦٩)، ومسلم، كتاب التوبة، باب في حديث الإفك، حديث رقم (٢٧٧٠)، (٤/ ٢١٢٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>