للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ} [هود: آية ٧٠] وَلَمَّا ارتحلوا من عنده وَنَزَلُوا على نَبِيِّ اللَّهِ لوطٍ وكانوا في صفةِ شبابٍ مُرْدٍ حَسَنَةٌ ثيابُهم، حسنةٌ رِيحُهُمْ، خافَ عليهم أن يفعلَ بهم قومُه فاحشةَ اللواطِ، فَحَزِنَ أَشَدَّ الحزنِ؛ وَلِذَا قال تعالى عنه: {وَلَمَّا جَاءتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ} [هود: آية ٧٧] وما سببُ مُسَاءَتِهِ بهم وضيقِه ذرعًا بهم - كقولِه: إن ذلك يومٌ عصيبٌ - إلا لعدمِ عِلْمِهِ بحقيقةِ الواقعِ، حتى قال ذاك الكلامَ المؤسفَ المحزنَ: {لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} [هود: آية ٨٠] ولم يَعْلَمْ بحقيقةِ الأمرِ حتى أَخْبَرُوهُ، وقالوا له: {يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ} الآيات [هود: آية ٨١]. وقال الْمُفَسِّرُونَ (١): عند ذلك نَشَرَ جبريلُ أجنحتَه عليه وِشَاحه، وَضَرَبَ أوجهَهم بريشةٍ من جَنَاحِه، فتركها ليس فيها محلُّ العيونِ، لا أثرَ فيها للعيونِ، كأن وجوهَهم لم تكن بها عيونٌ أصلاً!! كما أَشَارَ اللَّهُ إلى ذلك في سورةِ القمرِ بقولِه في قصةِ لوطٍ والملائكةِ وقومِ لوطٍ: {وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ} والعياذُ بِاللَّهِ {فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ} [القمر: آية ٣٧].

وهذا نَبِيُّ اللَّهِ يعقوبُ قال اللَّهُ فيه: {وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَاهُ} [يوسف: آية ٦٨] مَدَحَهُ اللَّهُ بالعلمِ الذي عَلَّمَهُ، ومع هذا فَوَلَدُهُ يوسفُ كان في مصرَ، ما بينَه وبينَه ثمان مراحلَ، لا يعلمُ عن أمرِه شيئًا {وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ} [يوسف: آية ٨٤] يقولُ لأولادِه: {يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَّوْحِ اللَّهِ} [يوسف: آية ٨٧] يطلبُ من أولادِه التحسسَ لِيَعْثُرُوا له على خَبَرٍ، وهو لا يَدْرِي عنه حقيقةً حتى


(١) انظر: ابن جرير (٢٧/ ١٠٥ - ١٠٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>