للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

جَاءَ البشيرُ بالقميصِ، كما هو مُبَيَّنٌ في سورةِ [يوسفَ] (١). وهذا نَبِيُّ اللَّهِ نوحٌ، وهو هو، لَمَّا قال له رَبُّهُ: {فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ} [المؤمنون: آية ٢٧] ظَنَّ أن ولدَه الفاجرَ أنه مِنْ أَهْلِهِ، ولم يَدْرِ أنه ليسَ من أهلِه حتى قال: {رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ} [هود: آية ٤٥] ولم يَعْلَمْ بحقيقةِ الأمرِ حتى قال له عَالِمُ الغيبِ والشهادةِ: {يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [هود: آية ٤٦] كان جوابُه أن قال: {رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَاّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ} [هود: آية ٤٧]. وهذا نَبِيُّ اللَّهِ سليمانُ أَعْطَاهُ اللَّهُ الريحَ، غُدُوُّهَا شهرٌ، ورواحُها شهرٌ، وَسَخَّرَ له مَرَدَةَ الشياطين مع قدرتِهم على الطيرانِ في آفاقِ الأرضِ، ما كان يَدْرِي عن قصةِ ( ... ) (٢)

بِلْقِيسَ وجماعتِها حتى جاءَه الهدهدُ الضعيفُ المسكينُ، وكان قد خَرَجَ بغيرِ إِذْنٍ، وكان نَبِيُّ اللَّهِ سليمانُ يتهددُه ويتوعدُه على الخروجِ بِلَا إِذْنٍ، كما قَصَّ اللَّهُ في سورةِ النملِ: {وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ (٢٠) لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (٢١)} [النمل: الآيتان ٢٠، ٢١] فَعَلِمَ مِنْ تاريخِ اليمنِ، ومن جغرافيةِ اليمنِ، ما لَمْ يَعْلَمْهُ سليمانُ (عليه السلامُ)!! وهذا العلمُ الضيئلُ البسيطُ - علمُ تاريخٍ وجغرافيةٍ - أَعْطَى هذا الضعيفَ قوةً، وكان له سلاحًا، وَقَوَّاهُ على سليمانَ، حيث كان هو يَعْلَمُ شيئًا يجهلُه


(١) في الأصل: (هود). وهو سبق لسان.
(٢) في هذا الموضع كلمة غير واضحة. ولعلها: «أهل مأرب» والكلام مستقيم بدونها ..

<<  <  ج: ص:  >  >>