للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

سليمانُ؛ ولذا قام غَيْرَ مُبَالٍ بالوعيدِ، مع أن سليمانَ مَلِكٌ نَبِيٌّ، له هيبةُ الملكِ، وهيبةُ النبوةِ، ومع هذا وَقَفَ ذلك الهدهدُ بين يديه وقفةَ البطلِ غيرَ مكترثٍ بالوعيدِ، وإنما قوَّاه أنه عَلِمَ شيئًا من جغرافيةِ اليمنِ وتاريخِهم لم يَعْلَمْهُ سليمانُ، وَنَسَبَ الإحاطةَ إلى نفسِه، وَنَفَاهَا عن سليمانَ، وقال له: إِنِّي {أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ} [النمل: آية ٢٢] وهذا النبأُ بَيَّنَ فيه بعضَ تاريخهم، أنهم كفرةٌ يسجدونَ للشمسِ، وأن ملكتَهم امرأةٌ، قال: {إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ (٢٣) وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [النمل: الآيتان ٢٣، ٢٤] وعندَ خَبَرِ الهدهدِ إياه لم يَعْلَمْ أيضا حقيقةَ الأمرِ؛ لأنه [ما كان يعلم صِدْقَ] (١) الهدهدِ؛ وَلِذَا قال مُخَاطِبًا له: {سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} [النمل: آية ٢٧] ثم أَرْسَلَهُ بكتابٍ كما في هذه الآياتِ من سورةِ النملِ، كُلُّ هذه الأمورِ من [عدمِ] (٢)

علمِ الأنبياءِ الكرامِ والملائكةِ الكرامِ، هذه الأمورُ من الغيبِ كُلُّهُ مصداقٌ لقولِه: {قُل لَاّ يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَاّ اللَّهُ} (٣) [النمل: آية ٦٥] وقولُه هنا: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَاّ هُوَ} [الأنعام: آية ٥٩].

وَاللَّهُ (جل وعلا) يُطْلِعُ رسلَه على ما شَاءَ من غَيْبِهِ، وَيُطْلِعُ ملائكتَه على ما شاءَ من غَيْبِهِ، كما بَيَّنَهُ في آياتٍ من كتابِه: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (٢٦) إِلَاّ مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ}


(١) في الأصل كلمتان غير واضحتين، وما بين المعقوفين زيادة ينتظم بها الكلام.
(٢) زيادة يقتضيها السياق ..
(٣) انظر: الأضواء (٢/ ١٩٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>