للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[الجن: الآيتان ٢٦، ٢٧]، وكقولِه: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ} [آل عمران: آية ١٧٩] أي: فَيُطْلِعُ مَنِ اجْتَبَى من رسلِه على ما شاءَ من غَيْبِهِ، وقد أَطْلَعَ نَبِيَّنَا - صلى الله عليه وسلم - على أمورٍ كثيرةٍ، أَخْبَرَ بكثيرٍ منها، منه ما حَفِظَهُ الناسُ حتى وَقَعَ، ومنه ما نَسُوهُ.

وهذه الآيةُ الكريمةُ وأمثالُها في القرآنِ العظيمِ أجمعَ العلماءُ على أنه أكبرُ واعظٍ وأعظمُ زَاجِرٍ نَزَلَ من السماءِ إلى الأرضِ، فهي أعظمُ موعظةٍ تُلْقَى يتعظُ بها الناسُ. إلا أنَّهُ مع الأسفِ تَمُرُّ على آذانِهم ولم تَكُنْ في قلوبِهم!! وهذا أكبرُ وَاعِظٍ؛ لأنه أَطْبَقَ العلماءُ على أن أعظمَ المواعظِ، وأعظمَ الزواجرِ، هو واعظُ المراقبةِ والعلمِ.

وَضَرَبَ العلماءُ لهذا مثلاً قالوا (١) - ولله المثلُ الأَعْلَى -: لو فَرَضْنَا أن هذا البراحَ من الأرضِ، فيه مَلِكٌ قَتَّالٌ للرجالِ إن انْتُهِكَتْ حرماتُه، سفَّاكٌ للدماءِ إن انتُهكت حرماتُه، ذو قوةٍ وعزةٍ ومَنَعَةٍ، وحولَه جيوشُه، وحولَ هذا الملكِ بناتُه ونساؤُه وجواريه، أَيَخْطُرُ في بالِ أحدٍ أن أولئك الحاضرين مجلسَ هذا الملكِ الجبارِ يقومُ واحدٌ منهم بغمزةِ عَيْنٍ إلى حَرَمِ ذلك الملكِ أَوْ رِيبَةٍ؟ لَا وَكَلَاّ، كُلُّهُمْ خاضعونَ خاشعةٌ عيونُهم، خاشعةٌ جوارحُهم، غايةُ أمانيهم السلامةُ!! ولا شَكَّ أن خالقَ الكونِ - وله المثلُ الأَعْلَى - أعظمُ بَطْشًا، وأشدُّ نَكَالاً إن انْتُهِكَتْ حرماتُه، وَحِمَاهُ في أرضِه مَحَارِمُهُ.

ولو قيل لأهلِ بلدٍ: إن أميرَ ذلك البلدِ يَبِيتُ عَالِمًا بِكُلِّ ما يفعلونَه في الليلِ من الخسائسِ والدسائسِ لَبَاتُوا مُتَأَدِّبِينَ، لا يفعلونَ


(١) انظر: الأضواء (٣/ ١٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>