للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عادتِه أن النوعَ الفلانيَّ يُنْزِلُ اللَّهُ عندَه [المطرَ] (١) نَاسِبًا الأمرَ لِلَّهِ، وأنها عاداتٌ رَبَطَهَا اللَّهُ وإن شَاءَ خَرَمَهَا. مِثْلُ هذا لا يُكَفَّرُ صاحبُه، ولكنه يُنْهَى. ولو قال: إن عندَه مقدماتٍ يَعْلَمُهَا هو مِنْ نَفْسِهِ يعلمُ بها أَذَكَرًا هو أَمْ أُنْثَى، ويعلمُ بها أن المطرَ سَيَنْزِلُ.

فهذا الذي جَزَمَ ابنُ العربيِّ بِكُفْرِهِ والزجاجُ وغيرُ واحدٍ من العلماءِ، والذين كَفَّرُوهُ قالوا: لأنه كَذَّبَ كلامَ اللَّهِ، وَعَارَضَ كلامَ اللَّهِ الصريحَ: أن هذا لا يَعْلَمُهُ إِلَاّ اللَّهُ، أما الذين يقولونَ: إن في اليومِ الفلانيِّ سَتُكْسَفُ الشمسُ وَيُخْسَفُ القمرُ. وَعَامَّةُ العلماءِ على أن هؤلاء لا يُكَفَّرُونَ؛ لأن هذا شيءٌ قَدْ يُدْرَكُ بالحسابِ؛ لأَنَّ اللَّهَ يقولُ في قضيةِ القمرِ: {وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ} [يس: آية ٣٩] ويقولُ فيه: {لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ} [يونس: آية ٥] إِلَاّ أن علماءَ المالكيةِ مَنَعُوا على مَنْ عَلِمَ هذا بالحسابِ أن يبوحَ به. قالوا: ولو تَكَلَّمَ به لَوَجَبَ على الإمامِ تعزيرُه وحبسُه. قالوا: لأَنَّهُ يشوشُ على الجهلةِ الذين لا يُمَيِّزُونَ بَيْنَ الأمورِ الغيبيةِ، وبينَ ما جَعَلَ اللَّهُ له منها علاماتٍ يُعْرَفُ بها، وما لم يَجْعَلْ له علاماتٍ وَاخْتَصَّ اللَّهُ بِعِلْمِهِ (٢). وعلى كُلِّ حَالٍ فهذه الأمورُ، قولُ إنسانٍ لإنسانٍ: «فَتِّشْ لِي بعلمِ غيب القراءة على محلِّ الضَّالَّةِ». هذا - والعياذُ بالله - ضلالٌ كبيرٌ، من كبائرِ الذنوبِ. ولو جاءَ واحدٌ وقال لإنسانٍ: «افْعَلْ لِي هذا»، أو سَأَلَهُ عن شيءٍ: «أين ضَالَّتِي؟» أو شيئًا من المسروقِ، لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صلاةٌ أربعينَ ليلةً، كما صَرَّحَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بذلك. هذا السائلُ فكيفَ بالذي يفعلُ ذلك وَيَتَعَاطَاهُ؟ وقد أَجْمَعَ


(١) في الأصل: «السحاب» وهو سبق لسان.
(٢) انظر: أحكام القرآن لابن العربي (٢/ ٧٣٩)، القرطبي (٧/ ٣)، الأضواء (٢/ ١٩٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>