للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَوَضَعُوهُ عندَ الأصنامِ، وقالوا للأصنامِ: اجْعَلُوا لنا البركاتِ والخيراتِ في هذا الطعامِ والشرابِ حتى نرجعَ مِنْ عِيدِنَا، وقالوا لإبراهيمَ: اخْرُجْ مَعَنَا إلى عِيدِنَا. {فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ}. يريدُ أن يتخلصَ منهم ليكسرَ الأصنامَ، فَلَمَّا خَرَجُوا جاءَ إلى الأصنامِ وبيدِه الفأسُ، فوجدَ الطعامَ عندَهم {فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ} مُسْتَهْزِئًا بهم، لِمَ لا تَأْكُلُونَ من الطعامِ؟ كما قالَ في الصافاتِ: {فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ} [الصافات: آية ٩١] {فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ} [الصافات: آية ٩٣] يَضْرِبُهُمْ ويُكَسِّرُهُمْ بيمينِه بالفأسِ، فَلَمَّا كَسَّرَهُمْ تركَ كَبِيرَهُمْ، وهو أعظمُ صنمٍ عندَهم، يقولونَ: إنه مُرَصَّعٌ بالجواهرِ، وأن عليه ياقوتتين. علق الفأسَ في عنقِه (١)،

فلما جَاؤُوا من عيدِهم وَجَدُوا الأصنامَ مُكَسَّرَةً، والفأسَ مُعَلَّقًا في عُنُقِ الكبيرِ، فقالوا: مَنْ فَعَلَ هذا بِآلِهَتِنَا؟ فَدُلُّوا على إبراهيمَ، كما فَصَّلَهُ اللَّهُ في سورةِ الأنبياءِ: {وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ (٥١) إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ (٥٢) قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ (٥٣) قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (٥٤)} [الأنبياء: الآيات ٥١ - ٥٤] وكما قال هنا في الأنعامِ: {إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} [الأنعام: آية ٧٤] فَأَجَابُوا: {أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَاّعِبِينَ} [الأنبياء: آية ٥٥] فَأَجَابَهُمْ أنه جَاءَ بالحقِّ: {بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ} [الأنبياء: آية ٥٦] ثم قَالَ: {وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم} يعني بِكَيْدِهَا: أن يكسرَها من حيثُ لا يحضر أحدٌ يَرَاهُ {بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ} {فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا} وفي القراءةِ الأُخْرَى:


(١) انظر: تاريخ ابن جرير (١/ ١٢٢)، البداية والنهاية (١/ ١٤٥) ..

<<  <  ج: ص:  >  >>