للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فصل (في الصلاة على الميت)

ــ

فصل (في الصلاة على الميت) (فصل في الصلاة على الميت) هذا الفصل معقود لبيان ما يتعلق بالميت، من غسله، وتكفينه، والصلاة عليه، ودفنه.

فقوله: (في الصلاة على الميت) أي وغيرها أيضا مما ذكر، وكان عليه أن يذكره بين الفروض والمعاملات، أو عند الجهاد، لأنه من فروض الكفاية.

لكن لما كان أهم ما يفعل بالميت: الصلاة، ذكر عقبها.

(واعلم) أنه يتأكد على كل مكلف أن يكثر من ذكر الموت، وذلك لأنه أزجر عن المعصية، وأدعى إلى الطاعة، ولخبر: أكثروا من ذكر هادم اللذات.

يعني الموت.

صححه ابن حبان والحاكم، وقال إنه على شرط مسلم، وزاد النسائي: فإنه ما ذكر في كثير إلا قلله، ولا قليل إلا كثره.

أي كثير من الدنيا، وقليل من العمل.

وهادم اللذات - بالذال المعجمة - ومعناه: القاطع، وأما بالمهملة: فمعناه المزيل للشئ من أصله.

وروى الترمذي بإسناد حسن أنه - صلى الله عليه وسلم - قال لأصحابه: استحيوا من الله حق الحياء.

قالوا إنا نستحيي - يا نبي الله - والحمد لله قال: ليس كذلك، ولكن من استحيا من الله حق الحياء فليحفظ الرأس وما وعى، وليحفظ البطن وما حوى، وليذكر الموت والبلى.

ومن أراد الآخرة ترك زينة الحياة الدنيا.

ومن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء.

والمراد من قوله: وما وعى أي ما اشتمل عليه من السمع والبصر واللسان.

ومن قوله: وليحفظ البطن وما حوى ما يشمل القلب والفرج.

والمراد بحفظ البطن أن يصونه عن الحرام من المطعم والمشرب.

ويستحب الإكثار من ذكر هذا الحديث، كما قاله الشيخ أبو حامد الغزالي، ويندب له أن يستعد للموت بالتوبة، وهي ترك الذنب، والندم عليه، وتصميمه على أن لا يعود إليه، وخروج عن مظلمة قدر عليها بنحو تحلله ممن اغتابه أو سبه.

وصح: أنه - صلى الله عليه وسلم - أبصر جماعة يحفرون قبرا، فبكى حتى بل الثرى بدموعه، وقال: إخواني، لمثل هذا فأعدوا.

أي تأهبوا للموت واتخذوه عدة.

ومحل ندب التوبة إذا لم يعلم أن ما عليه مقتض للتوبة، أما إذا علم أن ما عليه ذلك فهي واجبة فورا - بالإجماع - والموت مفارقة الروح للبدن.

واختلف في حقيقة الروح، فقال أكثر أهل السنة والجماعة الأولى أن نمسك المقال عنها ونكف عن البحث فيها، وأنها مما استأثر الله بعلمه ولم يطلع عليه أحدا من خلقه.

وإليه أشار ابن رسلان في زبده بقوله: والروح ما أخبر عنها المجتبى * * فنمسك المقال عنها أدبا أي أن حقيقة الروح - وهي النفس - لم يخبر عنها المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، مع أنه سئل عنها، لعدم نزول الأمر ببيانها.

قال تعالى: * (ويسألونك عن الروح.

قل الروح من أمر ربي) * (١) فنمسك المقال عنها أدبا مع المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، ولا نعبر عنها بأكثر من موجود يحيا به الإنسان.

كما قال الجنيد: الروح شئ استأثر الله بعلمه ولم يطلع عليه أحدا من خلقه.

والخائضون فيها اختلفوا على أكثر من ألف قول.

فقال جمهور المتكلمين: هي جسم لطيف مشتبك بالبدن اشتباك الماء


(١) الاسراء: ٨٥

<<  <  ج: ص:  >  >>