(و) سن (كف) نفس عن طعام فيه شبهة، و (شهوة) مباحة.
من مسموع، ومبصر، ومس طيب، وشمه.
ولو
ــ
ماء غسل الفم المتنجس.
(قوله: لا يفطر) الجملة خبر أن، ومحل عدم الفطر بالسبق في الأول: إذا لم يبالغ فيه، وإلا أفطر.
وأما في الثاني: فلا يفطر مطلقا، بالغ أو لا - كما مر.
(قوله: لعذره) أي في السبق المذكور، وذلك لأنه متولد من مأمور به.
(قوله: فليحمل هذا) أي قضية التعليل، وهو أن وصول الماء إلى باطن الأذن أو الدبر، مفطر.
(وقوله: على مبالغة منهي عنها) انظر كيف تتصور المبالغة هنا؟ ويمكن أن يقال إنه مثل تصويرها في نحو المضمضة، وذلك بأن يملأ أذنه ماء، بحيث يسبق غالبا إلى باطنها، ولكن هذا لا يظهر في المبالغة في وصول الماء إلى باطن الدبر، ولعله فيها بالنسبة إليه - أن يكثر من ترديد الماء في حد الظاهر من الدبر، بحيث يسبق إلى باطنه.
(قوله: وسن كف نفس عن طعام فيه شبهة) وبالأولى، ما إذا كان حراما محضا.
(والحاصل): يتأكد عليه أن يحفظ بطنه عن تناول الحرام والشبهة، خصوصا عند الإفطار.
قال بعض السلف: إذا صمت فانظر على أي شئ تفطر؟ وعند من تفطر؟ (قوله: وشهوة مباحة) معطوف على طعام.
أي وكف نفس عن شهوة لها مباحة.
والمراد من ذلك أن يجانب الرفاهية، والإكثار من تناول الشهوات واللذات، وأقل ذلك أن تكون عادته من الترفه واحدة في رمضان وغيره، وهذا أقل ما ينبغي، وإلا فللرياضة ومجانبة شهوات النفس أثر كبير في تنوير القلب، وتطلب بالخصوص في رمضان.
وأما الذين يجعلون لهم في رمضان عادات من الترفهات والشهوات التي لا يعتادونها في غير رمضان، فغرور منهم غرهم به الشيطان حسدا منه لهم، حتى لا يجدوا بركات صومهم ولا تظهر عليهم آثاره من الأنوار والمكاشفات.
(واعلم) أنه يتأكد عليه أيضا أن يتجنب الشبع المفرط لأجل أن يظهر عليه أثر الصوم، ويحظى بسره ومقصوده الذي هو تأديب النفس وتضعيف شهواتها، فإن للجوع وخلو المعدة أثرا عظيما في تنوير القلب ونشاط الجوارح في
العبادة، والشبع أصل القسوة والغفلة، والكسل عن الطاعة المطلوب إكثارها بالخصوص في رمضان.
قال عليه الصلاة والسلام: ما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطنه، حسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان ولا بد فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه.
وقال بعضهم: إذا شبعت البطن جاعت جميع الجوارح.
وإذا جاعت البطن شبعت جميع الجوارح.
وفي العهود للشعراني: أخذ علينا العهد أن لا نشبع الشبع الكامل قط، لا سيما في ليالي رمضان، فإن الأولى النقص فيها عن مقدار ما كنا نأكله في غيرها، وذلك لأنه شهر الجوع، ومن شبع في عشائه وسحوره فكأنه لم يصم رمضان.
وحكمه حكم المفطر من حيث الأثر المشروع له الصوم، وهو إضعاف الشهوة المضيقة لمجاري الشيطان في البدن، وهذا الأمر بعيد على من شبع من اللحم والمرق، اللهم إلا أن تكون امرأة مرضعة، أو شخصا يتعاطى في النهار الأعمال الشاقة، فإن ذلك لا يضره إن شاء الله تعالى.
وقد قالوا: من أحكم الجوع في رمضان: حفظ من الشيطان إلى رمضان الآتي، لأن الصوم جنة على بدن الصائم ما لم يخرقه شئ، فإذا خرقه دخل الشيطان له من الخرق.
اه.
(قوله: من مسموع إلخ) بيان للشهوة، وهو يفيد أن المراد بالشهوة: المشتهى.
وبه يندفع ما يقال أن الشهوة هي ميل النفس إلى المطلوب، وهي لا يمكن كف النفس عنها، والتحري عنها.
وحاصل الدفع أن المراد بها المشتهى، وهو المسموع والمبصر، ومس الطيب، وشمه، وهذا يمكن كف النفس عن سماعه، والنظر إليه، ومسه وشمه.
ثم إن المراد بالمسموع والمبصر: المباحان، بدليل تقييد المبين الذي هو الشهوة بالمباحة، فخرج المحرم منهما، فيجب كف النفس عنه.
والمسموع المباح: مثل الصوت الحاصل بالتغني والألحان، بخلاف الصوت الحاصل من آلات اللهو والطرب المحرمة - كالوتر - فهو حرام يجب كف النفس من سماعه.
والمبصر المباح: كالنظر في الزخارف، والنقوش، والرياحين، بخلاف غير المباح: كالنظر للأجنبية، أو الأمرد الجميل فهو حرام، يجب كف النفس عنه.
(قوله: ومس طيب وشمه) أي فهما مباحان، يسن كف النفس عنهما.
وفي التحفة: بل قال المتولي بكراهة النظر إليه.
وجزم غيره