تعارضت كراهة مس الطيب للصائم، ورد الطيب: فاجتناب المس أولى، لان كراهته تؤدي إلى نقصان العبادة.
قال في الحلية: الاولى للصائم ترك الاكتحال.
ويكره سواك بعد الزوال، وقت غروب، وإن نام أو أكل كريها ناسيا.
وقال جمع: لم يكره، بل يسن إن تغير الفم بنحو نوم.
ومما يتأكد للصائم: كف اللسان عن كل محرم
ــ
بكراهة شم ما يصل ريحه لدماغه أو ملبوسه.
اه.
(قوله: ولو تعارضت كراهة مس الطيب الخ) فيه أنه لم يذكر هنا كراهة المس حتى يصح ما قاله من المعارضة، وإنما الذي يفهم من كلامه هنا الإباحة، فكان الأولى أن يصرح بالكراهة أولا،
ثم يرتب عليها ما ذكره.
(وقوله: ورد الطيب) هو بالجر، معطوف على مس، أي وكراهة رد الطيب - أي على من يهديه له - والمراد أنه إذا لم يرد الطيب ارتكب كراهة المس بأن لم يتيسر له قبوله إلا بالمس، وإذا لم يمسه ارتكب كراهة الرد فتعارضا عليه حينئذ.
(وقوله: فاجتناب المس) أي مع ارتكاب كراهة الرد.
(وقوله: أولى) أي من قبول الطيب مع ارتكاب كراهة المس.
(قوله: لأن كراهته) أي المس، وهو علة الأولوية.
(وقوله: تؤدي إلى نقصان العبادة) أي بخلاف كراهة رد الطيب، فإنها لا تؤدي إلى ذلك.
(قوله: الأولى للصائم ترك الاكتحال) أي لما فيه من الزينة والترفه اللذين لا يناسبان الصوم، وللخروج من خلاف الإمام مالك رضي الله عنه، فإنه يقول بإفطاره به، ويعلم من التعبير بالأولوية أن الاكتحال: خلاف الأولى فقط، فلا يضر، وإن وجد لون الكحل في نحو نخامته وطعمه بحلقه، إذ لا منفذ من عينه لحلقه، فهو كالواصل من المسام.
وروى البيهقي والحاكم أنه - صلى الله عليه وسلم -: كان يكتحل بالإثمد وهو صائم لكن ضعفه في المجموع.
(قوله: ويكره سواك) أي على المشهور المعتمد، ومقابله قول الجمع الآتي: وإنما كره على الأول، للخبر الصحيح: لخلوف فم الصائم يوم القيامة أطيب عند الله من ريح المسك.
وهو بضم المعجمة: التغير، واختص بما بعد الزوال، لأن التغير ينشأ غالبا قبله من أثر الطعام، وبعده من أثر العبادة.
ومعنى أطيبيته عند الله تعالى ثناؤه تعالى عليه ورضاه به، فلا يختص بيوم القيامة، وذكره في الخبر ليس للتقييد، بل لأنه محل الجزاء.
وأطيبيته عند الله تدل على طلب إبقائه، فكرهت إزالته، ولا تزول الكراهة إلا بالغروب.
(قوله: بعد زوال) أي أو عقب الفجر لمن واصل الصوم، لكونه لم يجد مفطرا يفطر به، أو وجده وارتكب حرمة الوصال، فتزول كراهة الاستياك في حقه بالغروب، وتعود بالفجر.
والوصال: أن يستديم جميع أوصاف الصائمين، فالجماع - ونحوه مما ينافي الصوم - يمنع الوصال، على المعتمد.
(قوله: وقبل غروب) أما بعده فلا كراهة، فهي تزول بالغروب.
(قوله: وإن نام إلخ) غاية لكراهة السواك بعد الزوال.
أي يكره وإن نام بعد الزوال أو أكل شيئا كريها كبصل نسيانا، وهذا هو الذي استوجهه شيخه ابن حجر، وعبارته - في باب الوضوء - ولو أكل بعد الزوال ناسيا مغيرا أو نام وانتبه: كره أيضا على الأوجه، لأنه لا يمنع تغير الصوم، ففيه إزالة له، ولو ضمنا، وأيضا فقد وجد مقتض هو التغير، ومانع هو الخلوف، والمانع مقدم.
اه.
وجرى الجمال الرملي - تبعا لإفتاء والده - على أنه يكره الاستياك حينئذ، فمحل الكراهة عنده بعد الزوال إن لم يكن له سبب يقتضيه، أما لو كان له ذلك: كأن أكل ذا ريح كريه ناسيا، أو نام وتغير فمه بذلك - سن له الاستياك، لأن الخلوف الحاصل من الصوم قد اضمحل، وذهب بالكلية بالتغير الحاصل من أكل ما ذكر أو من النوم.
ووافق المؤلف - في باب الوضوء - م ر، وخالف شيخه،
وعبارته هناك: ويكره للصائم بعد الزوال إن لم يتغير فمه بنحو نوم.
اه.
فيكون جرى هناك على قول، وهنا على قول.
(قوله: وقال جمع: لم يكره) أشار إليه ابن رسلان في زبده بقوله: أما استياك صائم بعد الزوال * * فاختير لم يكره، ويحرم الوصال قال م في شرحه عليه: ونقله - أي هذا القول - الترمذي عن الشافعي، وبه قال المزني، واختاره جماعة منهم النووي، وابن عبد السلام، وأبو شامة.
اه.
(قوله: بل يسن) إضراب انتقالي - فبعد أن ذكر عدم الكراهة عنده انتقل إلى ذكر السنية، ولا يلزم من عدمها السنية، لأنه صادق بالمباح، وبخلاف الأولى.
(وقوله: إن تغير) قيد في السنية، فهو راجع لما بعد، بل فقط: أي بل قالوا يسن بشرط أن يتغير فمه بنحو نوم كالأكل لذي ريح كريه ناسيا.
واعتمد هذا